الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
60 - رقم الاستشارة : 1208
06/03/2025
أنا فتاة خريجة الكلية، والتحقت هذه السنة بدار نسائية للتحفيظ، وأنا من أسرة محافظة، حتى التلفاز ما دخل بيتنا، ففي إذاعة القرآن غنيتنا.
المهم عندما أكون متأثرة بأي أمر حصل في البيت أو خلاف نشأ بيني وبين أحد أفراد الأسرة، أو سمعت أمرًا محزنًا يظهر ذلك على نبرة صوتي، حتى تدمع عيني أحيانًا، وقد حباني الله (ولله الحمد) صوتًا، فبعض الأحيان أحبر صوتي تحبيرا.
وقد أتعمد أن أقف على آيات بتأثر، فأحسست أني دخلت في الشرك الأصغر. وهذه حقيقة، لا تقل وسواس، وأرجع أحاسب نفسي لإخلاص العمل لله وحده، ثم أعود.
وعندما أتذكر أنني أسأل الله زوجا صالحا أتأسف على سوء فعالي وأطلب من الله زوجًا صالحًا.
والذي يحزنني أن الدارسات معي والمعلمات يعلمن أنني من أسرة صالحة، وأعتقد أن معلمتي أخبرت المعلمات عند تأثري عندما أقرأ القرآن.
ولا تنسني يا شيخ من الدعاء لي، وخاصة الثبات على دينه، وأن يرزقني الله زوجًا صالحًا، أساهم أنا وإياه في الدعوة إلى الله.
ابنتي الكريمة، سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وأشكر لك ثقتك بنا، ونسأله سبحانه أن نكون عند حسن ظنك، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص لوجهه الكريم، ويتقبل منا ومنك صالح العمل، وبعد...
ففي الحقيقة –يا ابنتي– إني أغبطك على تلك النعم التي وهبك الله إياها، والتي أشرتِ إليها في رسالتك، من حفظ للقرآن، وصوت حسن، وقلب رقيق، وعين دامعة، ومراقبة لله عز وجل، وحرص على إخلاص العمل له سبحانه، ومحاسبة للنفس.
وكلها (رغم شكلية بعضها) صفات جليلة، يسعى كل مسلم ومسلمة للتحلي بها، والتي إن توفرت في أمتنا لتغير حالها أيما تغيير.
فأسأل الله عز وجل أن يديم عليك هذه النعم، ويبارك لك فيها، ويكثر من أمثالك.
ابنتي العزيزة، يقول فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، رحمه الله: «يعيش المؤمن حياته بين مخافتين: حزن على ما مضى ووقع، وخوف وإشفاق مما يأتي، وهو بين هاتين المخافتين يحمل قلبًا كسيرًا حزينًا، وهمًّا وكربًا ثقيلاً، ولا يفارق ذلك إلا عندما يعايش الموت».
وصدق الشيخ فيما قال، ونجد في حكايتك عن نفسك شاهد صدق على ذلك.
إن الإخلاص رغم كونه سرًّا بين العبد وربه، وعملاً قلبيًّا لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، فإن له شواهد يُستدل بها عليه، ومن خلالها يمكن أن نستشعر وجوده أو عدمه في قلوبنا. من هذه الشواهد الشعور دائما بالخوف من عدم قبول العمل، وانتفاء الفارق بين عمل السر وعمل العلانية، وتطابق ظاهر العبد مع باطنه.
وأرى -يا ابنتي- أن وجود مثل هذا الحزن وهذا الخوف في قلبك، إنما هي علامة صحة هذا القلب وحياته، وهي في حد ذاتها نعمة تستحق الشكر أن أحيا الله هذا القلب، وجعله عامرًا بالتُّقَى.
ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه- فيما رواه البخاري، مؤكدا هذا المعنى: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا».
ورغم كل تلك الشواهد التي قد تدلل على إخلاص قلبك لله عز وجل، فإن هذا لا يجعلك تركنين وتطمئنين لدوام هذه الحال، فكما قال أحد السلف: «المخلصون على خطر عظيم»، أي أنه يخاف عليهم من تغير قلوبهم وتشوش إخلاصهم وتقلب حالهم، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، يقلبها كيف يشاء، نسأل الله عز وجل أن يصرف قلوبنا إلى طاعته والإخلاص إليه.
فأدعوك –ابنتي- إلى مراقبة قلبك جيدًا وتفقده من حين لآخر، وجددي نيتك دائمًا، وتثبتي منها قبل وأثناء وبعد كل عمل، واحذري أخطر ما قد يصيب القلب المخلص، وهو العُجب والغرور والرضى عن النفس، والتعالي على الخلق. فاسألي الله عز وجل العفو والعافية، ودوام الإخلاص وزيادته والثبات عليه.
أما من ناحية توجهك لله عز وجل بالدعاء أن يرزقك الزوج الصالح، فلا حرج في ذلك يا ابنتي، فمَن تسألين إن لم تسألي الرحمن عز وجل؟! ومن تسألين إن لم تسألي خالقك ومدبر أمرك؟! ومن تسألين إن لم تسألي الله القادر على كل شيء؟! ومَن بيده أن يقضي لك حاجاتك كلها سوى ربك ومولاك، الكريم، جل وعلا، الذي هو سبحانه أقرب إليك من نفسك، وأرحم بك من أمك ومن أبيك ومن الناس أجمعين؟!
إنها قمة الإيمان أن يحبس المرء منا سؤال حاجاته على ربه الرحمن الرحيم، مهما عظمت تلك الحاجات أو صغرت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لا يستحون أن يسألوا الله عز وجل في أدنى حاجاتهم أو أعلاها.
فلا تتحرجي من ذلك الدعاء أو غيره، طالما كان ما تطلبين تحقيقه أمرًا شرعيًّا من المباحات، وليس فيه إثم أو قطيعة رحم، مع اتباع آداب الدعاء، وعدم استعجال الإجابة، والثقة بوعد الله عز وجل بالإجابة، حيث قال في سورة البقرة: (وإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ)، وفي سورة غافر: (وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
في النهاية ابنتي الكريمة، لك منا –كما طلبت– خالص الدعاء بأن يثبتك الله عز وجل على الإيمان، ويوفقك للخير والرشاد، ويرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، ويكون كل منكما عونًا للآخر على طاعة الله عز وجل، وأن يهبكما الذرية الصالحة، التي يستعملها الله عز وجل في نصرة دينه، ورفعة شأن هذه الأمة.
ونسألك بالمقابل ألا تنسينا في دعائك، تقبل الله منا ومنكم.