الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
407 - رقم الاستشارة : 786
24/01/2025
حياكم الله يا شيخ، لماذا أشعر أنني أبتعد عن الله رغم أنني أحاول الصلاة والدعاء؟ هل يمكن أن تكون ذنوبي سببًا في هذا الشعور أم أنني أفتقد شيئًا في علاقتي معه؟ أجيبوني أرجوكم.
أخي الكريم، مرحبًا بك، وأسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك ويزيل همك، وبعد...
فهذا الشعور الذي تعاني منه قد تكون له أسباب متعددة، بعضها مرتبط بالذنوب والابتعاد عن الله، وبعضها الآخر يتعلق بحالة الإنسان النفسية أو ضعف إيمانه، ولكن إياك أن تيأس وتقنط من رحمة الله التي وسعت كل شيء.
إن الشعور بهذا البعد قد يكون علامة على حياة قلبك، وأنك تسعى لتصحيح مسارك، فتعال معي نتلمس معالم المسار الجديد.
لا شك –أخي- في أن الذنوب قد تكون سببًا رئيسيًّا في شعورك بالبعد عن الله؛ لأنها تحجب القلب عن الإحساس بالقرب منه سبحانه. قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 14)، أي أن المعاصي والخطايا تغطي القلب وتمنعه من الشعور بنور الإيمان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ صُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (رواه الترمذي).
لذلك، فالتوبة والاستغفار الصادق يمحوان أثر الذنوب ويعيدان الصفاء للقلب.
واعلم أخي أن الإيمان يزيد وينقص، وهذه سنة الله في القلوب. فقد يكون سبب شعورك بالبعد عن الله هو أن إيمانك يضعف أحيانًا بسبب الغفلة عن الذكر أو التعلق بالدنيا. قال ابن القيم رحمه الله: «القلب مثل الطائر، كلما علا بَعُد عن الآفات، وكلما نزل اقتربت منه الآفات».
ويهدينا الله -عز وجل- إلى علاجَين ناجعين لهذه الحالة، فيقول: {نَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف: 201).
فالتقوى والذكر هما سلاحاك ضد هذه الحالة.
وقد يكون شعورك بالبعد عن الله نتيجة وساوس الشيطان الذي يريد أن يزرع فيك اليأس والإحباط. قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268].
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ" (رواه البخاري). لذلك عليك أن تكثر من الاستعاذة بالله، وتجاهل الوساوس، والاستمرار في الطاعات.
والآن أقترح عليك –باختصار- وسائل عملية محددة تعينك على الخروج من هذه الحالة:
1- التوبة والاستغفار:
قال الله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُۥ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورًۭا رَّحِيمًا} (النساء: 110). فحافظ على الاستغفار يوميًّا وكرره خلال اليوم، بقلب حاضر.
2- الإكثار من ذكر الله:
قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ} (الرعد: 28). فحافظ على أذكار الصباح والمساء يوميًّا، وأذكار الأحوال والعادات، مع الأذكار المطلقة.
3- المحافظة على الصلاة:
إن الصلاة هي صلة العبد بربه، وكلما أديتها بخشوع شعرت بالقرب منه سبحانه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» (رواه مسلم).
4- تلاوة القرآن:
فالقرآن ينعش الروح، ويعيد للقلب طمأنينته. قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌۭ وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء: 82).
5- حسن الظن بالله:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (رواه البخاري). فثق بأن الله قريب منك، حتى لو شعرت ببعض الفتور، وأنه يفرح بك إذا أقبلت عليه، بل ويقبل عليك أكثر مما تقبل أنت، فلا تحرم نفسك فضله وكرمه.
6- الصحبة الصالحة:
فالصحبة الصالحة نعمة عظيمة تعين الإنسان على طاعة الله وتثبّته على الحق، كما قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الكهف: 28). وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل» (رواه أبو داود والترمذي).
7- الأعمال الصالحة:
ففضلًا عن العبادات المحضة، تُعد كل الأعمال الصالحة –وما أكثرها- سبيلًا لزيادة الإيمان والقرب من الله، فهي تزكِّي النفس وترضي الرب، وتجعل العبد في معية الله ورعايته. قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: 97). فالعمل الصالح يربط العبد بخالقه، ويزيد من حسناته، ويهذِّب روحه، ويطيِّب حياته.
وختامًا –أخي العزيز- أؤكد لك أن شعورك بالبعد عن الله ليس دليلًا على أنه تركك، بل قد يكون ابتلاءً يدعوك للعودة الصادقة إليه، أو إشارة لحاجتك إلى تجديد إيمانك بالتوبة والعمل الصالح.
داوم على الذكر، واستعن بالصلاة، وكن على يقين بأن الله أقرب إليك مما تتصور، كما قال جل وعلا: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: 16).
وفقك الله وأعانك أخي، وتابعنا بأخبارك.