Consultation Image

الإستشارة 11/03/2025

زوجي عصبي جدا وتزداد عصبيته في رمضان بطريقة لا تطاق وهو لا يتوقف عن الصراخ في الاولاد أو الدعاء على الناس.. في الفترة ما بين العصر والمغرب يكون أسوأ ما يكون وقد يتشاجر مع الجيران أو أولادهم .. نحن نسكن في حي شعبي والناس متداخلة فيما بينهم وأشعر أننا مكرهون بسبب زوجي وعصبيته ولسانه الذي لا يسلم منه أحد.. ماذا أفعل؟

الإجابة 11/03/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات..

 

أختي الغالية، مشكلة الزوج العصبي مشكلة شائعة للغاية، فالعصبية هي الطريقة التي يواجه بها كثير من البشر المشكلات، وبما أن الرجال بوجه عام يعانون من الضغوط الناتجة عن العمل وعن الاحتكاك مع المجتمع الخارجي فكثيرًا ما يطورون سلوكًا يتسم بالعصبية والاندفاع، وما لم يكن هناك مكابح قوية خلقية ودينية فإن هذه العصبية تخرج في كثير من الأحيان عن حدود السيطرة كما حدث مع زوجك.

 

وأنا أقدر تماما أختي الغالية ما تشعرين به من ضغط في التعامل مع مثل هذا الزوج العصبي، فإذا أضفنا لذلك شعورك بالخزي أمام الجيران وأنت ترين زوجك يفتعل المشكلات مع هذا أو ذاك حتى وصل الأمر لافتعال المشكلات مع الأطفال.

 

أريدك أن تثقي تمامًا أنني أقدر ما تشعرين به وما تعانين منه وأتفهمك تمامًا، لكننا نريد أن نفكر معًا بطريقة هادئة حتى نحاول تحجيم هذه المشكلة إلى أقصى حد ممكن؛ فما رأيك في نفس عميق ثم تصلين على النبي بالصيغة الإبراهيمية حتى يمكننا البدء.

 

بين العصبية والقلق

 

أختي الكريمة دعيني أوضح لك أن الانسان العصبي هو غالبًا يعاني من مشاعر القلق أيضا فيرى في تفاصيل الحياة العادية معاناة كبيرة أو لونًا من ألوان التهديد له ولكيانه ولحياته ويتعامل بتشنج مع هذه التفاصيل أو التحديات الصغيرة، فإذا ما وقع بالفعل تحت تأثير بعض الضغط الحقيقي المرتبط بمشكلات الحياة تعامل بتلك الحدة وتلك العصبية.

 

وفي شهر رمضان يحدث أن يعاني الصائم من اضطرابات في النوم بسبب تغير ساعات العمل وتغير مواعيد الطعام، ويحدث أن يعاني بعض الصائمين من نقص مادة الكافيين (ولو أن زوجك من المدخنين فيعاني أيضا بسبب النيكوتين)، وهذا كله يمثل ضغطًا على جهازه العصبي المستثار في الأحوال العادية بعيدًا عن الصيام نظرًا لطبيعته القلقة...

 

لماذا أشرح لك هذه التفاصيل يا أختي الكريمة؟ لأنني أناشدك الفهم والتفهم وقدر من التعاطف، ولأنك ما لم تتعاطفي معه بعض الشيء لن تستطيعي دعمه، وأنت لن تستطيعي أن تتعاطفي دون فهم ما يشعر هو به، وهو الجزء غير المرئي في القصة التي لا يظهر فيها سوى رجل غضبان سيئ الخلق يتبادل الشجار مع الجيران في الوقت الذي عليه أن يتفرغ فيه للعبادة والدعاء.

 

أنت أولاً

 

أختى الفاضلة، لا تظني أني أستخدم منهج التبرير كي تغضي النظر عن سلوكياته غير المقبولة أبدا، فقط أنا أحاول استخدام المنهج التفسيري المحايد حتى نستطيع البناء على أرض صلبة، وأول ما يجب علينا بناؤه وقبل أي شيء أن تحمي نفسك أنت أولا من تبعات غضبه وعصبيته، فإذا حدث بالفعل ودخل في نوبة غضب أو شجار فلا تتدخلي ولا تحاولي الحديث معه أو التعليق عليه.. إذا كان يستجيب للمسة منك على ذراعه فهذا خير.. وغالبا الشخصية التي تتحدثين عنها لا تستجيب وقد يعنفك أو يدفعك فلا تقتربي منه في هذه الحالة.

 

أختي الكريمة، أنت هنا لست مشاهدة سلبية لما يحدث.. أنت تتوجهين إلى الله الرحمن الرحيم بقلبك ودعائك فتسألين الله سبحانه أن يهدئ روعه وأن يذهب ما به من غضب وأن يهدي قلبه وأن يحسن خلقه.. ألحي على الله سبحانه وتعالى وثقي تمامًا أن الله قادر أن يخفف عنه ما هو فيه.. أكثري من الاستغفار أيضًا في مثل هذه الأوقات العصيبة وحتى تهدأ الأمور.

 

كوني داعمة

 

إذا كان دورك وقت الأزمة غير مباشر مرتبط بالذكر والدعاء والاستغفار فإن لك دورًا استراتيجيًّا يمكنك لعبه قبل أن يصل زوجك لهذه المرحلة الخطيرة من الغضب، فإعداد سحور متأخر صحي ومتوازن وإمداده طيلة فترة الإفطار بالماء والسوائل قد يقلل من الضغط الفسيولوجي عليه..

 

أيضا لا تطلبي منه شيئًا ولا تناقشيه في شيء إذا أذن العصر حيث سيكون مخزون الطاقة النفسي لديه محدودًا للغاية.. العكس هو الصحيح لو لديك خبر مبهج أخبريه به في هذا الوقت.. لو استطعت منحه مساحة هادئة بعيدة عن الأولاد وصخبهم يجلس فيها خاصة لو تم تشغيل إحدى قنوات القرآن الكريم بصوت منخفض ويمكنك أن تشاركيه تلك الجلسة بحيث تقومين بتشتيت انتباهه عما يوتره في العادة.

 

اطلبي منه عملاً يدويًّا بسيطًا مألوفًا بالنسبة له، فكثير من الرجال يحلو لهم مثلاً تقطيع خضروات السلاطة أو إعداد العصائر، فلو هناك أمر مألوف بالنسبة له فحاولي تقليل توتره عن طريق ممارسته، وإن لم يكن فلا تغامري في الطلب منه في هذا التوقيت.

 

إلا أن أكبر دور داعم يمكنك تقديمه له هو محاولة دعمه معرفيًّا ومؤازرته نفسيًّا وعاطفيًّا، فانتهزي فترة الإفطار وتناول الماء والطعام والهدوء النفسي الذي يعيشه بعد الإفطار وافتحي معه الحوار بمنتهى الهدوء واللطف.. ابدئي بمدحه بصورة صادقة وعددي مميزاته في كثير من الأمور حتى لو جنحت للمبالغة فلا تكثري حتى يستشعر صدقك فيما تقولين وتحوزين على انتباهه في بقية الحديث.

 

حدثيه عن نفسه لا عنك ولا عن الصورة الذهنية التي ارتسمت لكم في مخيلة الجيران.. فأنت تحبينه تحبين الخير له.. تخشين أن يخرج من موسم رمضان وقد ذهبت حسناته لمن يتشاجر معهم.. حولي شعوره السلبي الدنيوي ناحية الجيران لخشية من ضياع الأجر الأخروي حتى يقرر التباعد عنهم (دعينا نكن واقعيين فهذا ما يمكن أن نخطط له في هذه المرحلة).

 

يمكنك في هذا السياق أن تجعليه يستمع أو يشاهد مقطعًا مؤثرًا لداعية يحبه ويتفاعل مع أسلوبه ويكون هذا المقطع عن هذه النقطة تحديدًا.. كيف يمكن للسان أن يؤذي صاحبه ويحرمه أجر عمله.. فإذا أقر معك أنه مخطئ وأدرك على المستوى المعرفي أن ما يقوم به خاطئ وضار فهنا لا بد من دعمه نفسيًّا واستغلال الفرصة في اتخاذ بعض القرارات.. كأن تنتهي أنت من إعداد الطعام مبكرًا والجلوس معًا للاستماع للقرآن الكريم أو الذكر والدعاء.. أو أن يعدك بأن يقوم للاغتسال أو الوضوء بمجرد الشعور ببداية شرارات الغضب..

 

الفكرة إنه إذا اقتنع من الناحية المعرفية بخطأ ما يقوم به من سلوك وفي الوقت ذاته لم تخسريه تقديره لذاته جراء ذلك فسوف يستجيب لممارسات صحية تخفف من حجم توتره ولا تفقده الأجر في شهر الصيام.. كتب الله لكم الخير كله وبارك حياتكما وتابعيني بأخبارك دائمًا.