الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : العائلة الكبيرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
80 - رقم الاستشارة : 3389
24/11/2025
دكتورة أنا محتاج رأيك الصريح، الموضوع مأثر على حياتنا كلها، أنا متجوز من سنة وبصراحة حياتي مستقرة الحمد لله، لكن حصل موقف مع حماتي خلاني محتار جدًّا.
حماتي عندها ٤٧ سنة وأرملة ومعاها بنت عندها ٥ سنين، فجأة جايلنا وقالتلي قدام بنتها إنها اتقدمت لعريس وهي موافقة! العريس ده ابن خالتها، وكنت حاسس إنه مستنيها من زمان قبل جوازي، وهو كمان عمره ما اتجوز قبل كده.
أنا رفضت الموضوع رفض نهائي… قلتلها إزاي وهي في السن ده تتجوز؟ وكمان حسّيت إني مش هعرف أواجه المجتمع وأهلي لو عرفوا، وشكلي هيبقى مش تمام.
من يومها زعلت مني ومخاصمة بنتها، ومابتكلمهاش خالص، ومراتي متأثرة جدًا وبتقولي إنها مش قادرة تبعد عن أمها ومش مستوعبة إن سبب الزعل كله مني. هي لسه متجوزتش رسمي، بس أنا حاسس إنها ناوية تكمل وهتتجوز فعلًا.
سؤالي لدكتورة الاستشارة: نعمل إيه عشان نخليها تتراجع عن القرار ده؟ هل فعلاً ماينفعش تتجوز في السن ده؟ ولا أنا غلطان إني وقفت قدام الموضوع من الأساس؟ الموقف مأثر على بيتنا وعلاقتنا كلها، وعايز نصيحتك الصريحة والداعمة.
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
لكي أستطيع أن أجيبك إجابة صادقة عن هذا السؤال فلا بد أن نتفق على مرجعية نحتكم إليها ونرد إليها السؤال.. لذلك أتوجه إليك بالسؤال: ما هي المرجعية التي ترضاها كي نحتكم إليها؟
* مرجعية الشريعة الإسلامية بما تتضمن من فقه الأسرة؟
* مرجعية العادات والتقاليد (وهي متنوعة بحسب المكان والزمان والطبقة الاجتماعية ونحو ذلك)؟
قد تقول إن مرجعية العادات والتقاليد جزء منها مستوحى بالفعل من الشريعة الإسلامية كما أن العرف معتبر، وهذا صحيح بشرط واحد ألا يتعارض هذا العرف مع الشرع.
فماذا تقول الشريعة الإسلامية عن عمر النساء المناسب للزواج وعلى وجه الدقة ما هو الحد الأقصى المسموح به للنساء كي يتزوجن؟
الحد الأقصى
هل صدمك السؤال؟ هل تستنكره؟ هل تقول في نفسك وهل هناك شيء في الشرع اسمه الحد الأقصى الذي يسمح فيه للنساء بالزواج؟
يمكن أن نعرف جواب هذا السؤال من فعل النبي ﷺ.. لقد تزوج النبي ﷺ السيدة خديجة قبل البعثة وكانت في الأربعين من عمرها وأرملة مرتين، بينما كان النبي ﷺ في الخامسة والعشرين ولم يسبق له الزواج من قبل، والمجتمع الجاهلي في مكة لم يستنكر هذا الزواج.
ثم تزوج النبي ﷺ قبيل الهجرة السيدة سودة بنت زمعة وكانت أرملة تقارب الستين من عمرها، والذي قام بتزويجها هو ابن عمها وشقيق زوجها الراحل دون أن يشعر بأي غضاضة.. فما رأيك أخي الكريم؟
هل تعلم أن المرأة المسلمة البالغة يجب عليها ارتداء الخمار والجلباب مهما كان عمرها، تستطيع فقط التخفف من بعض هذه الثياب إذا وصلت لمرحلة القواعد من النساء (ما يطلق عليه سن اليأس أو الشيخوخة) بشرط ألا ترجو نكاحًا ولا تتطلع إليه ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾، وهذا يعني أن من الوارد جدًّا أن تصل المرأة لسن متقدمة أو لسن اليأس وعلى الرغم من ذلك تتطلع للزواج وتهتم بنفسها وجمالها، وبالتالي فلا يجوز لها التخفف من الجلباب.
هل أدركت -يا أخي- أن الشريعة الإسلامية التي هي المرجعية الأساسية لكل مسلم ترى للمرأة المسنة الحق في الزواج والتطلع إليه فهو حق إنساني مكفول لها، ومنع أي إنسان من حق كفلته له الشريعة يعد لونًا من ألوان الظلم والاعتداء، سواء كان هذا المنع بالعنف أو كان هذا المنع بالضغط النفسي والمساومة والابتزاز.
حماتك وأهلك
عودة لحماتك السيدة التي تبلغ من العمر 47 عامًا (غالبا ليست من القواعد من النساء) تريد الزواج.. إنسانة بالغة ناضجة راشدة زوّجت ابنتها الكبرى ومعها طفلة صغيرة عمرها 5 سنوات بحاجة لمن يدعمها في مسيرة تربيتها، فما الجريمة التي ارتكبتها بالتفكير في الزواج؟!
السيدة لم ترتكب خطيئة تستتر بها بل هي تريد حقًّا مشروعًا فجاءت وتحدثت إليك وإلى ابنتها باعتبار أنكم عائلتها الصغيرة التي تريد لها أن تعرف خطواتها، وإلا فليس لكم أي صفة في القبول أو الرفض.
ابن خالتها لم يسبق له الزواج ما هو الضرر الواقع عليك أو على المجتمع من ذلك.. ابن خالتها كان يريد التقدم منذ فترة لكنه انتظر وتريث حتى تتزوج الابنة الكبرى حتى لا تتحسس من وجود زوج أم بينما الطفلة الصغيرة يسهل التعامل معها واحتواؤها، فما الخطأ في هذا التفكير؟ ما المريب في الأمر؟!
ما الذي يدعوك أن تتوهم أن صورتك المجتمعية لن تكون "تمام"؟
ما الذي يجعل من مواجهتك لمجتمعك وأهلك بخبر زواج حماتك أمرًا بالغ الصعوبة وكأن السيدة ارتكبت خطيئة والعياذ بالله.
هل هي مرجعية العرف والعادات والتقاليد التي تستنكر على أرملة في السابعة والأربعين أن يكون لها أحلامها الخاصة؟
المرجعية التي تستنكر على أرملة في السابعة والأربعين أن يكون لديها مشاعر وأحاسيس وأن يكون لها حاجة في الزواج؟ إنه ليس تساميًا إجباريًّا فالزواج فطرة إنسانية، وإنما هو تشبه بقوم كانوا يحرقون الأرملة بعد موت زوجها.. لكنها تقاليد لا تحرق الجسد وإنما تحرق الروح والقلب بعد أن يتم إصدار حكم غيابي عليها أن تعيش حياة الرهبنة وترعى أولادها وتستعد لملاقاة الموت في أيامها المقبلة، فأيامها التي تعيشها بعد وفاة زوجها هي أوقات زائدة عن الحياة ينبغي عليها ألا تعيشها...
ومن تخرج على هذا الحكم الغيابي المجحف أو تحاول استئنافه فيتم رجمها بنظرات اللوم والعتاب وكلمات التجريح والانتقاص، ويتم التعامل معها كإنسان ناقص لا يستطيع السيطرة على رغباته وغرائزه، أليس كذلك؟
صلة الرحم
أخي الكريم، ببساطة واختصار حماتك لم ترتكب إثمًا أو خطأً؛ لذا فسؤالك "نعمل إيه عشان نخليها تتراجع عن القرار ده؟" هو سؤال خاطئ تمامًا، فليس لك الحق أن تقوم بأي فعل يثنيها عن قرارها فهي الوحيدة المسئولة عنه، وليس لك حق الرفض بل ليس من حق أولادها الرفض، وكونها وضعتك في مصاف أولادها وأخبرتك فكان عليك أن تتفهمها لا أن تخذلها على هذا النحو وتقول لها مثل هذا الكلام.
أخي الكريم، إياك إياك أن يكون لك يد في قطع الصلة بين زوجتك وأمها وتذكر قوله ﷺ: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحمه.. لا تحرض زوجتك على الوقوف في وجه أمها أو تستخدمها كوسيلة للضغط عليها، وحتى لو كانت الأم هي التي تباعدت عن ابنتها بسببك وبسبب ما قلته، فشجع الابنة على صلة الأم وتذكر الحديث المتفق عليه (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات).
إذا كنت أنت بعد كل ما ذكرته لك لا ترتاح للأمر فلن يحاسبك أحد على مشاعرك ولن تأثم عليها، لكن بشرط أن تسيطر عليها ولا تخرج على صورة كلمات متنمرة أو سلوكيات مسيئة، وإن استطعت أن تناقش مشاعرك هذه بحيث تخلخلها أو تفككها فهذا خير.. المشاعر ليست قدرًا وإنما هي في جانب منها انعكاس للأفكار، فإذا تغيرت الأفكار تحولت المشاعر..
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يريك الحق حقًّا ويرزقك اتباعه ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، وأهلاً بك دائمًا معنا، ويسعدنا النقاش مرة أخرى لو أن هناك ما تريد قوله لنا.
روابط ذات صلة:
بين وفاء الأرملة ورغبتها بالزواج.. مفاهيم مغلوطة
أرملة خمسينية... تريد الزواج ويمنعها أبناؤها وكلام الناس
هل من حقي رفض زواج أمي بعد وفاة أبي؟!
أرمل ستيني يريد الزواج.. هل لأولاده منعه؟