حكم رفع اليدين عند الدعاء في الجمعة وغيرها

Consultation Image

الإستشارة 26/08/2025

ما حكم رفع اليدين عند الدعاء سواء في خطبة الجمعة وفي غيرها؟

الإجابة 26/08/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

الدعاء عبادة عظيمة شرّف الله بها عباده، وهو صلة مباشرة بين العبد وربه، وقد جاءت السنة النبوية ببيان آدابه، ومن أبرز هذه الآداب رفع اليدين عند الدعاء، وهو من الأسباب المؤكدة لقبول الدعاء، لما ورد فيه من نصوص كثيرة في الأحاديث الصحيحة.

 

وقد اختلف الفقهاء حول رفع اليدين في الدعاء فيرى بعضهم الوقوف عند المواطن التي رفع النبي ﷺ يديه فيها ويرى بعضهم جواز الرفع في كل المواطن؛ لأن عدم الفعل ليس دليلاً ما دام لا يوجد نهي عن الرفع، والأمر فيه سعة ولا يجوز فيه الإنكار ما دام لم يرد نهي صريح عن رفع اليد في الدعاء.

 

وردت أحاديث صحيحة كثيرة تدل على رفع اليدين في الدعاء، منها:

 

1. حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين".

 

2. حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي ﷺ رفع يديه وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".

 

3. حديث أنس رضي الله عنه: "كان النبي ﷺ إذا دعا رفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه".

 

وهذه أحاديث عامة في كل دعاء ولم يخص النبي دعاء دون دعاء.

 

يقول ابن القيم: في زاد المعاد: "لم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه في كل دعاء، بل ثبت في المواطن العظيمة التي يكثر فيها التضرع، كالاستسقاء وعرفات."

 

ويقول النووي في الأذكار: "رفع اليدين في الدعاء مسنون في غير المواطن التي ورد النص بعدم الرفع فيها."

 

جاء في فتاوى دار الإفتاء الأردنية:

 

رفع اليدين في الدعاء عمومًا سنة مستحبة يدلّ عليها أحاديث كثيرة، أورد بعضها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في (كتاب الدعوات، باب رفع الأيدي في الدعاء)، وأفرد لها الإمام البخاري كتابًا أسماه "جزء رفع اليدين"، واستدل الإمام النووي رحمه الله في كتابه [الأذكار] وكتابه [المجموع شرح المهذب] بجملة من الأحاديث التي تدلّ على هذه السنة، والتي تعبر عن انكسار المسلم بين يدي الله تعالى وهو يدعوه.

 

* والأحاديث الدالة على سنيّة رفع اليدين في الدعاء كثيرة، منها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ) أخرجه مسلم، وروى الترمذي وأبو داود عن النبي ﷺ قال: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ).

 

وأمّا حديث البخاري من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ) أخرجه البخاري، فقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله (إلا في الاستسقاء) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء، وقد تقدم أنها كثيرة"، ثمّ ذكر من أوجه رفع الإشكال عن حديث أنس حمله على المبالغة في الرفع، فيكون المعنى لم يكن رسول الله ﷺ يرفع يديه رفعًا بليغًا حتى يُرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء.

 

* وهذا ما عليه جماهير العلماء من المذاهب الفقهية المعتبرة:

 

* جاء في مغني المحتاج: "ويسنّ رفع يديه فيه -دعاء القنوت- وفي سائر الأدعية للاتباع، رواه فيه البيهقي بإسناد جيد، وفي سائر الأدعية الشيخان وغيرهما".

 

* وقال الإمام النووي رحمه الله: "عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم استسقى ورفع يديه وما في السماء قزعة، فثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته" رواه البخاري ومسلم، والمقصود أن يعلم أنّ من ادعى حصر المواضع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها فهو غالط غلطًا فاحشًا".

 

* وقال الإمام العيني الحنفي رحمه الله: "والرفع سنة الدعاء: أي رفع اليدين سنة، وروي فيه أحاديث، منها ما أخرجه أبو داود في "سننه" في الدعاء من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن رسول الله ﷺ قال: (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والإشعار أن تشير بإصبع واحدة، والإهلال أن تمد يديك)".

 

* وقال الإمام النفراوي المالكي رحمه الله في الفواكه الدواني: "وعلى الرفع -أي رفع اليدين خارج الصلاة- فهل يمسح وجهه بهما عقبه أم لا؟ والذي في الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه ﷺ كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه، فيفيد أنه كان يرفعهما ويمسح بهما وجهه".

 

* وقال الإمام البهوتي الحنبلي رحمه الله في كتاب كشاف القناع "ومن آداب الدعاء: بسط يديه ورفعهما إلى صدره؛ لحديث مالك بن يسار مرفوعًا: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها".

 

* ومن المواضع التي اختلف في رفع اليدين فيها رفع خطيب الجمعة يديه أثناء الدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية لحديث مسلم عن عمارة بن رؤيبة قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه فقال: (قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) أخرجه مسلم؛ قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: "فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته؛ لأن النبي ﷺ رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض".

 

وعليه؛ فرفع اليدين في الدعاء عمومًا سنة مستحبة يدلّ عليها أحاديث صحيحة كثيرة، ورفع خطيب الجمعة يديه أثناء الدعاء بعد الفراغ من الخطبة الثانية مسألة مختلف فيها، وقد اتجه رأي الإمام مالك والشافعية فيها إلى المنع، في حين رُوي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته، ولا حرج في الأخذ بأحد القولين. أ.هـ باختصار وتصرف.

 

والله تعالى أعلى أعلم.

الرابط المختصر :