Consultation Image

الإستشارة 26/05/2025

ما حكم السعي في التوسعة الجديدة التي قامت بها المملكة، وما حكم حج من سعى في هذه التوسعة؟

الإجابة 26/05/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فقد اختلف الفقهاء المعاصرون حول توسعة المسعى على رأيين:

 

يرى بعضهم عدم صحة هذه التوسعة لأن هذه التوسعة ـ من وجهة نظرهم ـ تخرج عن حدود الصفا والمروة التي أمر الله تعالى بالسعي بينهما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].

 

ودلت السنة القولية والعملية على وجوب السعي بين الصفا والمروة، كما أجمع الفقهاء على أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة.

 

ويرى بعضهم جواز ذلك، حيث إن حدود الصفا والمروة ممتدة من ناحية العرض وهي أوسع من عرض المسعى القديم، وأن الأمر كان بالسعي بينهما ولم يحدد القرآن الكريم ولا السنة المطهرة عرض المسعى، ولم يعرف تحديد لعرض المسعى لدى أحد من الفقهاء، وهو ما نرجحه للفتوى من باب التيسير ورفح الحرج، وقوة أدلة المجيزين.

 

كما أخذ المجيزون بشهادة سبعة شهود يتبعهم ثلاثة عشر شاهدًا يشهدون بمشاهدتهم جبل الصفا ممتدًا امتدادًا بارتفاع مساوٍ لارتفاع الصفا حاليًّا، وذلك نحو الشرق إلى أكثر من عشرين مترًا عن جبل الصفا الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لجبل المروة، وشهادتهم صريحة في امتداد الجبلين - الصفا والمروة - شرقًا امتدادًا متصلاً وبارتفاعهما.

 

ونحن نرجح الرأي القائل بجواز توسعة المسعى لما يلي:

 

أولاً: أن الرسول ـ ﷺ ـ كان أكثر تيسيرًا في شأن الحج عن غيره، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج، وما سيحدث في هذه التوسعة لا يلغي الشعيرة، وقد شهد عدد كبير من الشهود أنهم رأوا المسعى أوسع مما هو عليه الآن، ومن رأى حجة على من لم ير، ومعظم الأحكام في الشريعة الإسلامية تثبت بشهادة شاهدي عدل فكيف بشهادة عشرين من المسلمين؟!

 

ثانيًا: أن توسعة الطواف والسعي وجعله عدة أدوار تم دون نكير من أحد من العلماء، وهذه التوسعة تجوز من باب أولى حيث إنها لم تجاوز حدود الصفا والمروة.

 

ثالثًا: لو افترضنا جدلاً أن هذه التوسعة ستتجاوز حدود الصفا والمروة من حيث العرض وكان المسلمون في حاجة شديدة إلى هذا لجاز من باب الضرورة التي تبيح المحظور، وإعمالاً للقاعدة الفقهية التي تقول "إذا ضاق الأمر اتسع".

 

رابعًا: ان الأصل في الصلاة هو استقبال عين القبلة لمن يراها، ولما تعذر ذلك على المسلمين في شتى بقاع الأرض اتفق العلماء على جواز استقبال جهة القبلة، وقالوا إن الانحراف اليسير عن جهة القبلة لا يؤثر في صحة الصلاة، والأمر في الصلاة أشد من الحج، وبالتالي فالتوسعة أهون من الانحراف اليسير عن جهة الكعبة، ما دام الساعي سيقطع المسافة طولاً، وهذا هو المنصوص عليه والثابت في السنة العملية والقولية لرسول الله ﷺ.

 

خامسًا: أن الرسول ـ ﷺ ـ حج أمام أصحابه وقال لهم خذوا عني مناسككم وقد طاف ﷺ على ناقته ولم يقل أحد من الفقهاء أن على المسلمين أن يطوفوا على الناقة؛ لأن الفرض هو الطواف فليكن ماشيًا أو راكبًا حسب ظروف الزمان والمكان والأشخاص.

 

سادسًا: أن حماية الأنفس مقدم على أداء المناسك في سلم الأولويات التي جعلت حفظ النفس مقصد من مقاصد الشرع، وضرورة من ضروراته، فكيف إذا جمعنا بين الحسنيين، فحافظنا على الأنفس ويسرنا لهم أداء المناسك.

 

سابعًا: كل ما نقل عن الفقهاء إنما هو وجوب استيعاب الساعي لأرض المسعى طولاً، ومساحته جبلي الصفا والمروة في الذهاب والإياب، ولم ينقل عن أحد من الفقهاء ـ فيما نعلم ـ أنه نص على عرض المسعى وعد الخروج عن هذا العرض خروجًا من النسك.

 

يقول ابن مفلح: (ويجب استيعاب ما بينهما فقط) [الفروع 3/505].

 

ويقول شمس الدين الرملي: (ويشترط قطع المسافة بين الصفا والمروة، ولا بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي وهو المسعى المعروف الآن.. ولم أر في كلامهم –أصحابنا- ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة ما بين الصفا والمروة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرًا لم يضر كما نص عليه الشافعي رحمه الله) [نهاية المحتاج 3/ 291].

 

وذكر الرملي في الفتاوى: سئل هل ضُبط عرض المسعى؟ فأجاب: لم أر من ضبطه، وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة بأن يلصق عقبه بما يذهب منه، ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه، والراكب يلصق حافر دابته) [فتاوى الرملي 2/ 86].

 

ثامنًا: لو كان تحديد عرض المسعى واجبًا لكان بينه الرسول ـ ﷺ ـ فما ترك من خير إلا وضحه وبينه وأمر الناس به، وما ترك من شر إلا وضحه وبينه ونهى الناس عنه، تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، والحج من أركان الإسلام الخمس، والسعي ركن فيه، وما كان النبي ـ ﷺ ـ ليتركه إلا للتوسعة على المسلمين، ليجتهدوا فيه حسب زمانهم ومكانهم، والمصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، ولا إثم على أحدهما إن شاء الله.

 

تاسعًا: أن لسكوت الشارع مقاصد في غاية الأهمية، منها رفع الحرج، ومنها التيسير على الناس، وقد نهى الله المؤمنين عن كثر الأسئلة في عصر التشريع حتى لا يشدد الله عليهم يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾ (المائدة: 101- 102).

 

ويقول النبي ـ ﷺ ـ فيما رواه الإمام أحمد (... وسكت عن أشياء من غير نسيان لها رحمةً لكم فلا تبحثوا عنها).

 

عاشرًا: هذه مسألة من مسائل النوازل الحادثة، يسوغ فيها الاجتهاد والمجتهد فيها مأجور على أية حال، ولا يمكننا رفع الخلاف في المسائل الاجتهادية إلا إذا قنن هذا الاجتهاد وأصبح قانونًا لازمًا فرأي الحاكم يرفع الخلاف.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :