الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقه الأسرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
284 - رقم الاستشارة : 2643
10/09/2025
هل من حق المرأة المسلمة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها ، وما الحكم لو خالف هذا الشرط؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فاشتراط المرأة شروطًا جديدة ليست في عقد النكاح محل خلاف بين الفقهاء، فمنعها كثير من الفقهاء القدامى والمعاصرين، حيث إن القاعدة عندهم أن الأصل في العقود المنع، وأجازها الحنابلة، وانتصر لهذا الرأي ابن قدامة في المغني، وابن تيمية وتلميذه ابن القيم في أكثر من موضع.
والراجح جواز الشرط، لكن لا تستطيع المرأة أن تمنع ما أحله الله من تعدد الرجل بشروطه وضوابطه، فإذا أخل بالشرط فهي مخيرة بين الرضا به واستمرار العلاقة الزوجية بعده، وبين طلب الطلاق للإخلال بالشرط والحصول على كافة حقوقها الشرعية.
يقول ابن قدامة رحمه الله: «إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم».
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًّا أو قياسًا، وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه».
وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه كتاب الشروط، وترجم باب «ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام والمبايعة»، ثم أورد حديث شروط الصلح في الحديبية، وفيها «كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلاَّ ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِىُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ»، ثم بيّن البخاري التزامه ﷺ بهذا الشرط التزامًا وثيقًا؛ حيث رد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل، ولم يأته أحد إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلمًا.
ثم ترجم البخاري في باب الشروط في البيع، وباب الشروط في المعاملة، وباب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، وباب الشروط في المزارعة، وباب الشروط في الطلاق، وباب الشروط مع الناس بالقول، وباب الشروط في الجهاد.. وباب الشروط في الوقف.
وقد ختم ابن تيمية - رحمه الله - ذلك بقوله: «العقد له حالان: حال إطلاق، وحال تقييد؛ ففرق بين العقد المطلق، وبين المعنى المطلق من العقود؛ فإذا قيل هذا شرط ينافي مقتضى العقد، فإن أريد به ينافي العقد المطلق، فكذلك كل شرط زائد، وهذا لا يضره، وإن أريد ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد، احتاج إلى دليل على ذلك، وإنما يصح هذا إذا نافى مقصود العقد؛ فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود؛ فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه؛ فلا يحصل شيء. ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق، بل هو مبطل للعقد عندنا، والشروط الفاسدة قد تبطل لكونها تنافي مقصود الشارع؛ لقوله ﷺ: «كتابُ الله أحق، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ»، فإذا كان الشرط منافيًا لمقصود العقد كان لغوًا، وإذا كان منافيًا لمقصود الشارع كان مخالفًا لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما؛ فلم يكن لغوًا ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصود للناس، يحتاجون إليه؛ إذ لولا حاجتهم إليه ما فعلوه؛ فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه، ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج».
والله تعالى أعلى وأعلم