زوجي ينكر العدل بين النساء

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. ماهر السوسي
  • القسم : فقه الأسرة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 198
  • رقم الاستشارة : 2470
23/08/2025

فضيلة المفتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا سيدة متزوجة من رجل له غيري زوجتان أخريان، وهو لا يعدل بيننا، وعندما أكلمه في ذلك يقول إن العدل غير واجب عليه، ويستدل على ما يقول بآية من القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ﴾. مع أنني أعلم أن الأمر غير ما يقول، ولكن ما يذكره من آيات القرآن الكريم يجعلني عاجزة عن الرد عليه، ويدخل عليَّ الشك في معلوماتي، فأشيروا عليَّ من فضلكم، هل هو محق فيما يقوله، أم الأمر غير ذلك؟

الإجابة 23/08/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

أختي الكريمة، بداية اسمحي لي ان أقول إن الذي يجهل حقه فإنه يضيعه أو على الأقل لا يستطيع حمايته أو المطالبة به كما حدث معك، فقد فهمت من كلامك أنك مترددة بين كون العدل بين الزوجات فرض على الزوج أم لا، وخصوصًا بعد ما تلاه عليك زوجك من القرآن الكريم، فوقع في نفسك ما وقع من الشك والحيرة، وكان السبب في ذلك أن مدارستك لكتاب الله تعالى لم تبلغ الحد الأدنى الواجب على المسلم فعله. وسامحيني فهذا ليس لومًا لك، لكنه من باب النصح، وهو حق لكم علينا.

 

لا أقول إنه يجب على كل مسلم أن يحفظ كتاب الله تعالى أو يكون على دراية بكل ما فيه من أحكام، فهذا لم يقل به أحد؛ بل إن على الإنسان المسلم أن يجعل له وردًا من القرآن الكريم يتلوه بانتظام؛ حيث تلاوة القرآن الكريم باستمرار تكسب القارئ ثقافة خاصة، تتمثل -على الأقل- في إمكانية استدراك ما يقوم به بعض من يخدعون غيرهم عن طريق اجتزاء آيات كتاب الله تعالى، أو التلاعب بمعانيها، وهذا كثيرًا ما يحدث للأسف.

 

على كل حال فإن الأمر ليس كما قال، فقد تعامل معك على قاعدة ﴿فَوَيۡلٌ لِّلۡمُصَلِّينَ﴾! حيث من المعلوم أن هذه الآية الكريمة لا تدل على مراد الله تعالى بمفردها، فلم يقل أحد من مفسري القرآن الكريم أن الله توعد كل المصلين بالويل -وهو واد في جهنم أعاذنا الله وإياكم منها- بل إن هذا الوعيد مقصود به من يسهو عن الصلاة وتلهيه أمور دنياه عنها، فيصلي تارة ويدع الصلاة تارة أخرى؛ ودليل ذلك الآية التي تليها، وهي قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ﴾، فباجتماع الآيتين معًا يتحقق مقصود الله تعالى الذي بيّناه من قبل.

 

هكذا بالضبط فعل زوجك!! أخذ من القرآن الكريم ما يزيف به عليك ما يريد إقناعك به.

 

وحقيقة الأمر أن العدل بين الزوجات واجب؛ بل أقول أكثر من هذا، وهو أن العدل مع الزوجة الواحدة هو واجب أيضًا، وأُبين لك ذلك من كتاب الله تعالى.

 

يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا﴾ (سورة النِّسَاء: الآية ٣).

 

قد جاءت هذه الآية الكريمة في سياق الآيات التي تقرر العدل مع النساء؛ حيث بدأت بإيجاب العدل مع اليتامى، وذلك بقوله تعالى: ﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ﴾، والقسط هو العدل، فيكون المعنى على ذلك: "فإن خفتم ألا تعدلوا إن تزوجتم من النساء اليتيمات كما أمركم الله تعالى، فتزوجوا ممن طاب وحل لكم من غير اليتيمات من النساء، ويحل لكم أن تتزوجوا بواحدة إلى أربع نسوة تجمعوا بينهن بشرط أن تعدلوا بينهن، وهذا هو قول الله تعالى: ﴿فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا﴾، وتعولوا يعني تجوروا وتميلوا عن الحق، ويكون المعنى على ذلك: (إن خفتم ألا تعدلوا بين زوجاتكم فلا يجوز لكم الجمع بين النساء، وهذا عند المفسرين يدل على وجوب العدل بين النساء كما ذكر الإمام القرطبي رحمه الله تعالى.

 

ولو أضفنا إلى ما سبق تلك الآية التي استدل زوجك بطرفها فقط وترك باقيها، فإننا نجد أنها تؤكد النتيجة التي توصلنا لها سابقًا، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (سورة النساء: الآية ١٢٩).

 

فالآية الكريمة تبين أن العدل بين الزوجات ليس بالأمر اليسير، وإنما هو أمر صعب، لكن المقصود هنا العدل في الأمور المعنوية كالحب والشهوة والأنس وما شابه ذلك، لا في الأمور المادية كالمبيت والنفقة وغيرهما، وهذا ما حكاه ابن عباس ومجاهد والضحاك بن مزاحم وغيرهم من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم أجمعين- وقد استدلوا لذلك بحديث عائشة -رضي الله عنها– قالت: "كان رسول الله يقسم بين زوجاته، ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، والمقصود بالقسم هنا جعل لكل واحدة ليلة يبيت فيها عندها، ولكنه ﷺ اعتذر إلى ربه بأنه كان يحب السيدة عائشة -رضي الله عنها- أكثر من غيرها من زوجاته ﷺ ذلك أن الحب أمر قلبي، ولا يد للإنسان بما يهواه قلبه.

 

فإن كان الأمر كذلك وأحب الزوج إحدى زوجاته أكثر من غيرها، فلا يبالغ في ذلك، وعليه أن يراقب نفسه فلا يميل إلى التي يحبها مطلقًا ويترك الأخريات لا هن متزوجات، ولا غير متزوجات.

 

هذا، وإن الآية الكريمة كما هو واضح لا تدل على عدم وجوب العدل كما ادّعى زوجك؛ بل العكس فإنها تدل على وجوبه، والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :