جدة تبحث عن العيش بهدوء

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : العائلة الكبيرة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 60
  • رقم الاستشارة : 3445
30/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتورتنا ومستشارتنا الفاضلة فاطمة عبد الرؤوف، أنا امرأة عمري سبعين سنة، وما لي بهالدنيا غير ابني الوحيد.

كنت ساكنة ببيتي ومستقلة، بس لما صار بيتي ما ينفع للسكن اضطريت أعيش عند ابني وزوجته. من أول يوم وأنا حاسة إنو زوجة ابني ما بتحب وجودي بالبيت، دايمًا بتفتعل مشاكل وبتحاول تبعد الأولاد عني، وأحيانًا حتى ابني نفسه.

صار لهم ٢٦ سنة متزوجين وعندهم ثلاثة أولاد، وأنا – الحمد لله – صحتي منيحة، بخدم نفسي وبطبخ وبعمل كل أموري وما بطلب منهم شي، بس بدي أعيش بينهم بمحبة وهدوء.

يمكن غيرتها مني، ويمكن اختلاف البيئة بينّا؛ أنا كنت عايشة حياة اجتماعية واسعة وكنت مديرة مركز، وهي دراستها ابتدائية ومن بيئة مختلفة، وابني مدرس.

أنا محتارة يا دكتورة… كيف أتصرف؟ شو الصح شرعًا واجتماعيًا؟ أكمل بصبري وسكوتي؟ ولا لازم يكون إلي موقف معيّن حتى أحافظ على علاقتي بابني وأحفادي، وبنفس الوقت ما أكبر المشاكل بالبيت؟ بتمنى من حضرتك تنصحيني وتوجّهيني، وجزاكِ الله خير الجزاء.

الإجابة 30/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أمي الكريمة، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.

 

دعيني في البداية أن أحييك على نمط الحياة الرائع الذي اخترته لحياتك.. حياة اجتماعية واسعة.. تديرين مركزًا، لديك حياتك الحافلة بالتفاصيل الصغيرة.. تحافظين على صحتك.. تبقين دائمًا في حالة من النشاط واليقظة.. تخدمين نفسك.. تطهين طعامك.. حياة نابضة بالدفء والحركة وأظن بالمتعة والمغزى.

 

فليت كل الأمهات يستطعن ممارسة مثل هذه الحياة التي تجعل الإنسان يعيش كل لحظة في حياته دون أن يشعر أنه عبء على الحياة أو أنه يعيش مرحلة الهامش، وللأسف هي ثقافة شائعة في بلادنا؛ فالمسنين في البلاد الغربية مثلا يتعاطون السياسة.. يسافرون للسياحة.. يمارسون الأنشطة.. يشاركون في الأعمال الاقتصادية، وأنت –غاليتي- كنت تعيشين هذه الحياة المتدفقة بالحيوية حتى اضطرتك الظروف لترك بيتك والعيش مع ابنك الوحيد.

 

ما الذي تغير؟

 

انتقالك للعيش في بيت ابنك الوحيد ربما كان سببًا في تغير أهدافك الحياتية فشعرت أنك بحاجة للمزيد من الحياة الاجتماعية العائلية الدافئة والعاطفية مع ابنك وأحفادك.. أنت لست بحاجة لخدمة من أي نوع، أنت فقط تريدين القرب والحميمية، ومع التغير المكاني تراجعت أنشطتك الاجتماعية الأخرى ولعلها اتحصرت في ابنك وأحفادك.

 

زوجة ابنك هي الأخرى -تعالي ننظر لها نظرة موضوعية- لقد تغيرت حياتها فهي التي عاشت لمدة 26 عامًا بصورة مستقلة فجأة وجدت حماتها تشاركها الحياة، فهي توترت بشكل غريزي...

 

لا تنسي أن الثقافة الشائعة والموروث الشعبي قد أقاما حالة من العداء الخفي أو الجلي بين الحماة والكنة، وهي بشكل غريزي مستبطنة هذا التراث الذي ينصف الحماة مرة ويدينها مرات؛ لذلك فهي متوترة ليس بسببك أنت فأنت شخصية لطيفة متعاونة، وإنما بسبب هذه الصورة المختزنة لديها في اللاوعي والتي تتناقلها الأجيال...

 

أنت الأخرى ربما كنت شخصية مرهفة متحسسة، فكل تصرف عابر منها يترجم في عقلك بطريقة مبالغ فيها ويدق كجرس إنذار أنها لا تريد وجودك في حياتها وتفتعل المشكلات كي تبعدك عن ابنك وأحفادك.

 

ما هو الحل؟

 

دعينا لنكون أكثر واقعية ونركز على الحلول الممكنة والمتاحة والتي تشعرك بالراحة والاستقرار وتحقق أهدافك العاطفية بالقرب من ابنك وأحفادك دون أن نطيل في الأسباب التي أدت بك للشعور بعدم الارتياح، وإليك مجموعة من المقترحات حاولي قراءتها بتمعن وقومي بالتطوير فيها، وأضيفي مجموعة أخرى من المقترحات حتى نخرج بورقة عمل واقعية وقابلة للتنفيذ وتحقق الهدف.

 

* حاولي استئجار شقة أو بيت صغير قرب ابنك في نفس الشارع أو في نفس المبنى إن كان متاحًا، فذلك يحفظ لك حريتك في بيتك ويحفظ لزوجة الابن الشعور بالخصوصية.

 

* امتدحي زوجة ابنك دون مبالغة، فقط كلمات قليلة خارجة من القلب.. اثني على ذوقها.. على عائلتها.. على تربيتها.. على أي شيء ترينه جيدًا فيها، فهذا يحمل لها رسالة طمأنة وتهدئة ويرضيها داخليًّا.

 

* لا تنتقديها أبدًا، سواء في إدارتها لبيتها أو في معاملتها لأبنائها، فلقد عاشت عمرًا لا ينتقدها أحد مثل هذه الانتقادات.. احتفظي برأيك ولا تعلقي بشكل صريح أو مستتر وكأنك لم تري شيئًا وكأنك ما زلت في بيتك الآخر لم تري شيئًا حتى لا تصنعي حالة من العداء معها وفي نهاية الأمر لن تأخذ بكلماتك، ولو صعدت الأمر لابنك فسوف تحدث مشكلات أنت أبعد ما يكون عن الرغبة في إثارتها.

 

* اصنعي علاقة خاصة مع أحفادك دون وسيط.. تحدثي معهم واستمعي لهم، شاركيهم تجاربك واندمجي معهم في حياتهم.. أحفادك كبار في السن ولعل أصغرهم قارب المراهقة ويستطيعون جيدًا إقامة علاقة خاصة معك دون وسيط، فالأم لا تستطيع إبعاد هؤلاء الأحفاد فليسوا بأطفال صغار...

 

المشكلة ليست فيها.. المشكلة أن هذا جيل مختلف جيل السماوات المفتوحة وانتماؤه الداخلي للبيت والعائلة محدود؛ لذك أنت بحاجة لإقامة علاقة صداقة معهم ولو نجحت في جعلهم يشاركونك أفكارهم وعالمهم فستندهشين من تفاصيل هذا العالم...

 

لو أن معك بعض المال فكوني كريمة معهم؛ فالاحتياجات كثيرة ومتعددة وسيشعرون أنك بهذه الطريقة تريدين الاقتراب.. لا تنسي منحهم الهدايا في المناسبات المختلفة.. نجاح دراسي.. الذهاب لرحلة.. احتفال خاص.

 

* اطلبي من ابنك قضاء بعض الوقت في صحبتك بحسب ظروفه، وأنت تعلمين ضغط العمل والمسئوليات؛ لذلك كوني مرنة معه ولا تغضبي لو تأخر عليك يومًا، وأشعريه بتفهمك واغمريه بدعائك واسألي الله أن يرزقك بره وبر أولاده.

 

* أعيدي بناء حياتك الاجتماعية.. هذه النقطة أهم النقاط على الإطلاق فمهما قضى ابنك معك من وقت ومهما قضى أولادك معك من وقت فستجدين مساحات فارغة شاسعة ومؤلمة، وسوف يوسوس لك الشيطان بأفكار أنهم لا يقدمون لك البر الكافي أو أن زوجة الابن هي من تحول بينك وبينهم أو أن حياتك أصبحت بلا قيمة أو نحو ذلك من الوساوس الشيطانية.

 

لذلك فأنت بحاجة لإعادة بناء حياتك الاجتماعية.. شاركي في بعض الأنشطة التطوعية.. اخرجي للمشي.. كوّني علاقات جديدة وإن لم تكن على نفس درجة عمق علاقاتك القديمة وتواصلي مع الأصدقاء القدامى.. اذهبي للمسجد.. انضمي لحلقات تحفيظ القرآن.. اجعلي حياتك مليئة بالنشاط وثرية ونوّعي بين الأنشطة المختلفة.

 

* خصصي وقتًا كافيًا لعبادتك وصلاتك ووردك من القرآن الكريم والأذكار، وهذه النقطة أوردتها وحدها لشدة أهميتها؛ فالعبادة ستمنحك الراحة والسكينة ولذة القرب من الله لا يضاهيها شيء، فالإنسان يظل يعمل ويلهث في الحياة لأنه قد لا يملك الوقت الكافي، وأنت الآن لديك فرصة ذهبية في القرب والتعبد فاغتنميها، ودعي عنك تلك التفاصيل الصغيرة المزعجة كزوجة ابنك ونحو ذلك لا تجعليها تبدد سلامك النفسي وتشتتك..

 

العبادة ستمنحك قوة كبيرة تجعلك تشعرين بالقبول والرضا فستتقبلين انشغال ابنك في العمل وستدعين له بالمزيد من التوفيق، وسيكون الوقت القصير الذي يقضيه بصحبتك كافيًا وممتعًا ومشبعًا، ونفس الأمر سيحدث مع أحفادك؛ فالله سبحانه وتعالى من يبارك الأوقات ويمنحها اللذة والمتعة، والكيف الثري المشبع خير من الكم الفاتر الذي يشبه أداء الواجب.

 

* أمي الغالية، أريدك أن تضعي خطة قصيرة المدى لحياتك في الفترة القادمة إن شاء الله وتضعي خطة أخرى طويلة المدى يتم فيها تجزئة الأهداف ووضعها في خطط قصيرة المدى تعملين عليها.. خطة متنوعة الأهداف تهتمين فيها بعبادتك وصحتك وإدارة شئون حياتك وحياتك الاجتماعية والأنشطة التي ستقومين بها، وأيضًا أن تضعي فيها جزءًا تقتربين فيه من ابنك وأولادك، وهناك فارق بين أن يكونوا جزءًا من الحياة وبين أن يكونوا محور الحياة ذاتها، وفقك الله تعالى وأسعد قلبك ورزقك برهم جميعًا، وفي انتظار رسالتك التالية.

 

روابط ذات صلة:

الشيخوخة المُهانة!

7 أمور عليك القيام بها لدعم المسنين

الرابط المختصر :