الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العبادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
551 - رقم الاستشارة : 2167
23/07/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لي أصدقاء وأقارب داخل وخارج غزة أصحاب أموال -الله يبارك لهم- نصحتهم بتعجيل الزكاة لعامين أو عام لأهل غزة بسبب حجم المعاناة الكبيرة، رحبوا بذلك لكنهم يخشون ألا تحسب من أموال الزكاة بسبب أنها لم تبلغ الحول، فهل يجوز تعجيل الزكاة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد أحسنت أخي الكريم بهذه النصيحة فأهل غزة الآن هم أولى الناس بزكواتنا وصدقاتنا بل وكل أموالنا إن استطعنا، وتعجيل الزكاة فعله العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بطلب من النبي ﷺ، وبالتالي هو جائز بل قد يكون مستحبًّا أو واجبًا لمن يقدر على فعله.
والمسألة وإن كنت محل خلاف بين الفقهاء بسبب قبول حديث العباس، أو وصفه بأنه مرسل، لكن الشيخ القرضاوي – رحمه الله – رجّح هذا الرأي في كتاب فقه الزكاة؛ لأن هذا الدليل تعضده أدلة أخرى، وأن حجج المانعين ليست قوية.
يقول الشيخ – رحمه الله –:
القسم الذي يُشترط له الحول كالماشية السائمة والنقود وسلع التجارة فأكثر الفقهاء على أنه: متى وجد سبب وجوب الزكاة -وهو النصاب الكامل- جاز تقديم الزكاة قبل حلول الحول، بل يجوز تعجيلها لحولين أو أكثر. بخلاف ما إذا عجَّلها قبل مِلك النصاب فلا يجوز.
وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
وقال ربيعة ومالك وداود: لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول الحول، سواء قدَّمها قبل ملك النصاب أو بعده.
وسبب الخلاف: هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين، فمن قال: عبادة، وشبهها بالصلاة لم يُجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة، أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع، وقد احتج الشافعي بحديث عليّ: أن النبي ﷺ "استسلف صدقة العابس قبل محلها".
وجوّز بعض المالكية تقديمها بزمن يسير، في زكاة النقود، ومنها عروض التاجر المدير، وديونه المرجوة الحاصلة من البيع لا من القرض، وكذلك الماشية التي لا ساعي لها، فتجزئ الزكاة حينئذ مع كراهة التقديم، بخلاف زكاة الزرع والثمر، وعروض التاجر المحتكر، ودين المدير من قرض فلا تجزئ، وكذلك التي لها ساع إذا قدّم إخراجها قبل الحول بغير الساعي، وأما إذا دفعت للساعي قبل الحول بزمن يسير فإنها تجزئ.
واختلفوا في تحديد الزمن اليسير الذي يُغتفر فيه التقديم من يوم ويومين إلى شهر وشهرين، والمعتمد هو الشهر، فلا يجزئ التقديم بأكثر منه.
ويجوز التقديم بلا كراهة، إذا كانت الزكاة ستنقل من موضع الوجوب إلى فقير أشد حاجة، لتصل إلى مستحقها عند الحول، بل هذا التقديم واجب كما صرّح بعض المالكية حتى لو تلفت الزكاة أو ضاعت بعد هذا التقديم، فإنها تجزيه ولا يضمنها؛ لأنها زكاة وقعت موقعها، حيث صار هذا الوقت في حكم وقت وجوبها، وليس عليه أن يخرج عن الباقي، بخلاف التقديم في الصور السابقة، فإنه يخرج عن الباقي إن بلغ نصابًا. انتهى كلام الشيخ.
وجاء في قرار لمجمع الفقه للإجابة على حوادث مشابهة ما يلي:
إن أمانة المجمع إذ تخاطبهم بهذا، تؤكد على أن ما يقدمه المسلم لأخيه المسلم في مثل هذه الملمات وغيرها ليس منّة منه أو تفضلاً، وإنما هو من حق المسلم على المسلم، ومن واجب الأخوة الإيمانية، بل من كمال الإيمان أن يقوم المسلم بذلك، وأنه لا يليق بالمسلمين أن يقصروا في نجدة إخوانهم في مثل هذه الظروف، وأن يتركوهم يكابدون آثار هذه الكارثة بمفردهم، قال رسول الله ﷺ: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم". وأنه يجب عليهم أن يشعروا بما يعانونه، وأن يتألموا لألمهم، وأن يقفوا بجانبهم حتى يجتازوا محنتهم، قال ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الفقهاء يرون جواز أن يدفع المسلم من زكاة ماله لأهل بلد آخر غير بلد المال إذا كان المال في بلد الزكاة فائضًا عن حاجة أهله، كما أجازوا أن يدفع زكاة ماله إلى من هم أشد حاجة لمال الزكاة من أهل بلد المال، كالمتضررين من الكوارث (الفيضانات والزلازل ونحوهما).
وقد أخذ مجلس المجمع بذلك في قراره رقم: 165(3/18) بشأن تفعيل دور الزكاة في مكافحة الفقر، حيث جاء فيه: (يجوز تقديم العون المالي من أموال الزكاة من خلال إنشاء صندوق يخصص لمساعدة النازحين داخل أوطانهم أو خارجها بسبب الحروب أو الفيضانات أو المجاعات أو الزلازل أو غير ذلك). كما أجاز للمسلم أن يعطي من زكاة ماله من سهم المؤلفة قلوبهم للمنكوبين من غير المسلمين في مناطق الكوارث والزلازل والفيضانات والمجاعات تأليفًا لقلوبهم.
وعلى هذا يجوز للمسلمين الذين لم يُخرجوا زكاة أموالهم أن يدفعوا منها لهؤلاء المتضررين.
كما تجدر الإشارة إلى أنه لا مانع شرعًا على قول بعض الفقهاء الذين يرون جواز تعجيل الزكاة، أن يعجل المسلم الذي لم يحل وقت إخراج زكاة ماله بأن يدفعها أو جزءًا منها لهؤلاء المتضررين، ويكون عندئذ كمن أداها في وقت وجوبها.
والله تعالى أعلى وأعلم.