الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
164 - رقم الاستشارة : 1351
18/03/2025
كيف نتحرى ليلة القدر وماذا نعمل فيها؟ ما الحكمة في عدم تحديدها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعلى المسلم أن يجتهد في العبادة في شهر رمضان كله؛ فاليقين أن ليلة القدر في شهر رمضان، وغلبة الظن أنها في العشر الآواخر، أو في ليالي الوتر من العشر الآواخر، وقد أخفاها الله عز وجل حتى يجتهد الناس في الطاعات.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ومن أراد أن يموت على الإسلام فليكن في كل حياته مسلمًا؛ لأن آجالنا غيب عنا ولا نعرف متى تأتي، ولكي نضمن الموت على الإسلام فلنكن مؤمنين في كل وقت وكل حال.
يقول الشهيد سيد قطب – رحمه الله – تعليقًا وتعقيبًا على هذه الآية الكريمة:
إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم. فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه: ركيزة الإيمان والتقوى أولا.. التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل.. التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته..) اتقوا الله -كما يحق له أن يتقى- وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدًا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها. وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق، وجدت له أشواق. وكلما اقترب بتقواه من الله، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى. وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام!
(ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه. فمن أراد ألا يموت إلا مسلمًا فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلمًا، وأن يكون في كل لحظة مسلمًا. وذكر الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع: الاستسلام. الاستسلام لله، طاعة له، واتباعًا لمنهجه، واحتكامًا إلى كتابه. وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها، على نحو ما أسلفنا. هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها. إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعًا جاهليًّا. ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة، إنما تكون هناك مناهج جاهلية. ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية، إنما تكون القيادة للجاهلية. أ. هـ.
ورواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى (تخاصم) رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أُريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنُسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر.
وكما وضح لنا النبي –صلى الله عليه وسلم- الحكمة من إخفائها، فقال: وعسى أن يكون خيرًا لكم.
والخيرية هنا في الاجتهاد في الطاعة والتشمير عن ساعد الجد، وطرق كل أبواب الطاعة من صيام وقيام وزكاة وذكر واعتكاف، وجهاد واجتهاد.
والله تعالى أعلى وأعلم