الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : قضايا معاصرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
287 - رقم الاستشارة : 3202
08/11/2025
ما المقصود بالهندسة الوراثية وما حكم استعمالها؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد جاء في الموسوعة الميسرة للقضايا المعاصرة تعريف الهندسة الوراثية بأن هذا المصطلح يتكون من كلمتين: "الهندسة"؛ وهي تعني هنا التحكم في وضع الموروثات (الجينات) وترتيب صيغها الكيميائية فكًّا، بقطع الجينات عن بعضها البعض، ووصلًا، أي وصل المادة الوراثية المضيفة بالجينات المتبرع بها، باستخدام الطرق المعملية.
الكلمة الثانية: "الوراثية"؛ وهي مادة الاستخدام في العملية الهندسية، وهي عبارة عن الجينات والصيغ الكيميائية التي يتكون منها الكائن الحي، و"الجينات" هي دلائل صفات التكوين والسلوك لدى الكائن الحي....
حكم البحث في الهندسة الوراثية
البحث في الهندسة الوراثية مباح شرعًا، إذا كان يستهدف كشف سنن الله في الخلق وفهمها وتسخيرها فيما ينفع العباد شأنه في هذا شأن بقية البحوث التي يجريها العلماء لفهم الظواهر الكونية المختلفة والقاعدة العامة في هذا قول الحق تبارك وتعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ (سورة العنكبوت: 20)، وقوله تعالى: ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (سورة يونس: 101(.
بل إن البحث في حقل الهندسة الوراثية مندوب شرعًا؛ لما ثبت من فائدة الهندسة الوراثية في معالجة بعض المشكلات المرضية في الإنسان والحيوان والنبات كما أشرنا آنفًا، وهذا ما يجعل تطبيقات الهندسة الوراثية ضربًا مـن ضـروب التـداوي المشروع، إضافة إلـى أن الهندسة الوراثية باتت مستنـدًا موثوقًا به في بعـض قضـايا الطب الشرعي مثل إثبات علاقات النَّسَب أو البنوة ونحوها.
الأخطار الناجمة عن الهندسة الوراثية
رغم ما للهندسة الوراثية من عوامل إيجابية تتضح مما سبق بيانه، فإن تطبيقات الهندسة الوراثية يكتنفها شيء من الغموض فيما يخص الأخطار المستقبلية؛ لذلك فإنها ترتبط بالنواحي القانونية والتشريعية أكثر من ارتباطها بالنواحي الأخلاقية، وذلك لارتباطها بالفيروسات كنواقل طبيعية أكثر استخدامًا في نقل الجينات.
ويمكن إجمالًا حصر بعض نقاط الأخطار في تطبيقات الهندسة الوراثية على النحو التالي:
* العمل غير الأخلاقي الأول هو النقل الجيني في الخلايا الجرثومية germs cells التي ستولد خلايا جنسية لدى البالغين "حيوانات منوية وبويضات"؛ لأن التلاعب الوراثي لهذه الخلايا سيوجد نسلًا جديدًا غامض الهوية ضائع النسب، وإن كان تطبيق هذه التقنية قد تحقق بنجاح في الحيوانات الثديية، وأظهر فعالية كاملة، فإن تطبيقه على الإنسان يجب أن يحكم بالضوابط الشرعية.
* العمل غير الأخلاقي الثاني، هو الدمج الخلوي بين خلايا الأجنة في الأطوار المبكرة، وهذا أيضًا بحاجة إلى تصور علمي أدق، وبالتالي إلى فتوى شرعية.
* الدراسة -وبدقة- لنتائج تجارب المعالجة الجينية على الإنسان قبل استخدامها واحتمالية أو توقع الأخطار التالية:
أ- احتمالية الضرر أو الوفاة بسبب الفيروسات التي تستخدم في النقل الجيني.
ب- الفشل في تحديد موقع الجين على الشريط الصبغي للمريض قد يسبب مرضًا آخر ربما أشد ضررًا.
ج- هناك احتمال أن يسبب الجين المزروع نموًّا سرطانيًّا.
د- عند استخدام المنظار الجيني في معالجة الأجنة قبل ولادتها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على حياة الأم أو الجنين.
هـ- عدم توفر أخصائيين على درجة عالية من التدريب في مجال الهندسة الوراثية قد يجعل الباب مفتوحًا أمام الأطباء، وبالتالي ارتفاع نسبة النتائج السلبية الخطيرة.
و- قد تفتقد الجينة المزروعة شيئًا من وظائفها؛ ما يؤدي إلى أمراض أخرى غير معروفة. أ.هـ باختصار وتصرف.
قرار مجمع الفقه بشأن الهندسة الوراثية
(1) لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية بقصد تبديل البنية الجينية فيما يسمى بتحسين السلالة البشرية، وإن أي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا.
(2) الأصل في الاستفادة من الهندسة الوراثية في النبات والحيوان: الإباحة والجواز، وهذا الجواز مقيد بضوابط أهمها:
(أ) ألا يؤدي هذا الاستعمال إلى ضرر عاجل أو آجل.
(ب) أن يكون هذا الاستعمال لغرض صحيح مباح، دون عبث أو إسراف.
(ج) أن يتولاه أصحاب الخبرة والثقة.
(3) لا يجوز استعمال الهندسة الوراثية في الأغراض الضارة.
الإرشاد الوراثي (الإرشاد الجيني)
الإرشاد الجيني (genetic counseling) يتوخى تزويد طالبيه بالمعرفة الصحيحة، والتوقعات المحتملة ونسبها الإحصائية، ويكون اتخاذ القرار لذوي العلاقة فيما بينهم وبين الطبيب المعالج، دون أي محاولة للتأثير في اتجاه معين، وأهمها:
(أ) تهيئة خدمات الإرشاد الجيني للأسر أو المقبلين على الزواج على نطاق واسع، وتزويدها بالأكفاء من المختصين مع نشر الوعي وتثقيف الجمهور بشتى الوسائل لتعم الفائدة.
(ب) أن يتم الإرشاد الجيني حسبما جاء في الفقرة الخاصة بالمسح الوراثي الجيني الوقائي، وينبغي ألا تفضي نتائجه إلى إجراء إجباري.
(ج) يجب أن تحاط نتائج الإرشاد الجيني بالسرية التامة.
(د) توسيع مساحة المعرفة بالإرشاد الجيني في المعاهد الطبية والصحية والمدارس وفي وسائل الإعلام ودور العبادة بعد التأهيل الكافي لمن يقومون بذلك.
(ه) في الأسر التي تشكو من ظهور مرض وراثي في بعض أفرادها، ينبغي لها استشارة الأطباء لمعرفة مدى إمكانية انتقال المرض.
أحكام العلاج الوراثي
تختلف أحكام العلاج الوراثي على النحو الآتي:
(أ) حكم المسح الوراثي الوقائي:
يجوز إجراء هذا النوع من المسح بشرط أن تكون الوسائل المستعملة مباحة آمنة لا تضر بالإنسان، ويجوز لولي الأمر الإجبار على هذه الطريقة إذا انتشر الوباء في بلد معين أو تعرضت الدولة إلى مواد مشعة أو سامة ولها أثر على الجينات، تحقيقًا لمصلحة دفع الضرر العام، مع وجوب المحافظة على سرية نتائج هذا المسح حماية لأسرار الإنسان الخاصة، وحفاظًا على سمعته التي أمر الشارع بالمحافظة عليها، تحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية ومبادئها العامة.
(ب) حكم الفحص الجيني قبل الزواج:
يجوز إجراء الفحص الجيني قبل الزواج، مع اشتراط الوسيلة المباحة الآمنة لما فيه من تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وحماية الأسرة من الأمراض الوراثية، ولولي الأمر الإلزام به لمصلحة معتبرة عامة.
(ج) حكم التشخيص قبل زرع النطفة:
يجوز إجراء التشخيص قبل زرع النطفة بعد الإخصاب خارج الرحم (طفل الأنابيب) شريطة اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن عدم خلط العينات وصيانتها.
(د) حكم الفحص في أثناء الحمل:
لهذه الطريقة وسائل طبية متنوعة، ويمكن إجراؤها في مراحل مختلفة من الحمل، في أوله، ووسطه، وآخره.
فإذا ثبت وجود مرض وراثي جاز إجراء الإجهاض للمرأة الحامل، حسبما نص عليه قرار المجمع رقم: 56 (7/6) بشأن الإجهاض.
(ه) حكم الفحص عقب الولادة:
يجب إجراء الفحص الجيني للأطفال الحديثي الولادة للتدخل المبكر في الحالات التي ظهر إمكان علاجها.
ويوصي المجمع:
(1) التوعية بالأمراض الوراثية والعمل على تقليل انتشارها.
(2) العمل على تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، والندوات، ودور العبادة.
(3) مناشدة الجهات الصحية لزيادة أعداد وحدات الوراثة البشرية؛ لتوفير الطبيب المتخصص في تقديم الإرشاد الجيني، وتعميم نطاق الخدمات الصحية المقدمة في مجال الوراثة التشخيصية والعلاجية، بهدف تحسين الصحة الإنجابية.
(4) على المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والهيئات المختصة متابعة المستجدات في مجال الهندسة الوراثية.
(5) مناشدة الدول الإسلامية الاهتمام بالهندسة الوراثية بمختلف مجالاتها وتطبيقاتها المعتبرة شرعًا، وذلك بإنشاء مراكز للأبحاث في هذا المجال، تتطابق منطلقاتها مع أحكام الشريعة الإسلامية, وتتكامل فيما بينها بقدر الإمكان, وتأهيل الأطر البشرية للعمل في هذا المجال، وإدخالها في برامج التعليم المختلفة، وتبسيط حقائقها لعامة الناس في وسائل الإعلام المختلفة.
(6) أن تتولى الدول الإسلامية توفير مثل هذه الخدمات لرعاياها المحتاجين إليها من غير القادرين نظرًا لارتفاع تكاليف الحصول عليها.
(7) على الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي أن تُبيّن للجمهور فيما يعرض للبيع ما هو مُصنّع بالهندسة الوراثية مما هو طبيعي محض ليتم استعمال المستهلكين لها عن معرفةـ
(8) مناشدة الدول الإسلامية سن التشريعات وإصدار القوانين والأنظمة اللازمة لحماية مواطنيها من اتخاذهم ميدانًا للتجارب.
(9) تفعيل دور مؤسسات حماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية. أ.هـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة:
جراحة الجينوم لأمرض العيون تقترب من الواقع
مؤتمر دولي بالكويت حول «البصمة الوراثية وتحرير الجينات في عصر الذكاء الصناعي.. رؤية إسلامية"