الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
112 - رقم الاستشارة : 856
01/02/2025
أنا سيدة سودانية تجاوزت الخامسة والثلاثين من عمري ويكبرني زوجي بنحو ثلاثة أعوام وقد تزوجنا من ثلاثة عشر عاما أنجبنا خلالها ثلاثة من الأبناء أكبرهم في المرحلة المتوسطة من التعليم وأصغرهم لم يلتحق بالمدرسة بعد كنت أعيش حياة شبه مستقرة فزوجي ابن عمي وهو شخصية خلوقة ومحبوب ممن حوله وعلاقتنا جيدة إلى حد كبير على مختلف المستويات.. لزوجي ثلاثة أشقاء رجلان وامرأة هي صديقتي منذ شهور قتل شقيقا زوجي في قصف خلال الحرب الدائرة في السودان تاركين خلفهما زوجتين وخمسة أبناء مع العلم أن إحدى الأرملتين بنت عم أخرى.. ما أن مرت شهور الحداد حتى وجدت زوجي وشقيقته وعمي "حماي" وزوجته بل وأبي أيضا يلحون علي بضرورة الموافقة على زواج زوجي من أرملتي شقيقيه لكي يرعى أبناء أشقائه خاصة وأن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد صعبة للغاية والأوضاع غير مستقرة وهو ما أثار غضبي وحزني وجرح مشاعري فضلا عن أنني أشعر بعجز كبير فأبي الذي يمكن أن ألجأ له ليدعمني ويقف بجانبي يؤيد وبقوة هذه الفكرة التي لم يرد على خيالي أن تراودني يوما ما خاصة أني متعلقة جدا بزوجي أعلم يا سيدتي أن ما سيفعله زوجي هو بحكم الاضطرار وأن زواجه بأرملتي شقيقه هو من باب الواجب الملقى على عاتقه.. كما أعلم أن هذا الزواج مشروع .. لكن يا سيدتي مشاعري ليست بيدي ويقودني تفكيري للمطالبة بالطلاق فأنا لا أتخيل أن يكون زوجي زوج لأخرى فضلا عن أن يكونا اثنتين.. أفيدوني بالله عليكم..
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة وبكل أهل السودان على بوابة استشارات المجتمع...
أقدر يا غاليتي ما تشعرين به وهي مشاعر مشروعة.. مشاعر الغيرة الطبيعية الموجودة في قلب كل أنثى تحب زوجها ولا ترغب أن تشاركها فيه أخرى، فما بالك باثنتين كما تقولين.. ومشاعر الغيرة مشاعر عنيفة قوية حتى أنها كثيرًا ما تشوش على العقل وأحكامه، فأنت تعلمين سيدتي أن زوجك مضطر لهذا الزواج وأنه لم يسع وراء امرأة أخرى زهدًا فيك أو حبًّا في الأخرى، وأن هذا الزواج بمثابة واجب ثقيل عليه وعبء ملقى على عاتقه.. تعلمين هذا كله ولست بحاجة للاستطراد فيه، لكن المشكلة في مشاعرك المستثارة والمتهيجة والتي بحاجة للتسكين والتهدئة حتى يمكنك القبول بهذا الوضع الجديد.
أختي الغالية، الابتلاء جزء من سنة الله عز وجل في هذه الدنيا (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 - 157].. فالابتلاء جزء من طبيعة هذه الحياة الدنيا ولا يوجد إنسان لا يتعرض للابتلاء ولكن صورة الابتلاء تختلف من إنسان لآخر.. حتى النعم هي جزء من الابتلاء (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف: 7].
وأنت الآن غاليتي في ابتلاء مزدوج، فهناك الخير لكون زوجك حيًّا يرزق لم يصبه مكروه وأنت ترين ما يحدث للناس من حولك وأقربهم إخوة زوجك، وهناك الشر(أو ما تشعرين أنه كذلك) متمثل في أن هناك نساء آخريات على وشك مشاركتك لزوجك؛ لذا أنت بحاجة للحمد والشكر وبحاجة للصبر والجلد في وقت واحد.
تخيلي مشاعرك غاليتي لو أن زوجك هو من قضى نحبه في هذه الحرب لا قدر الله.. لا أريدك أن تشيحي بوجهك وتغمضي عينك وترفضي التخيل بل أريد لك أن تُمعني في التخيل منذ لحظة شعورك بالقلق عليه حتى وصول الخبر.. رؤيتك له فاقد الروح.. مشهد الدفن والجنازة.. صورة أولادك حولك يصرخون أو يبكون وأنت غير قادرة على تهدئتهم.. لا أريد إيلامك بالطبع من تصور هذا الكابوس أو معايشته في الخيال ولكن أريد منك أمرين:
الأول: أن تحمدي الله على حياة زوجك المحب الخلوق الذي يوسوس لك الشيطان أن تطلبي منه الطلاق.
الثاني: أن تتصوري شعور أرملتي إخوته وإحداهما ابنة عمة لك.. والمسألة تتجاوز الشعور للتبعات الاقتصادية والاجتماعية لغياب الزوج.. هل تظنين الأمر هينًا وهي تفقد زوجها وتتحمل مسئولية أسرتها وحدها ويكون الحل أن تتزوج من أخيه المتزوج والذي يحب زوجته.. لكن هكذا هي الحياة نختار فيها أخف الضررين والتعدد هنا هو أخف الضررين؛ لذلك اتفق عليه الجميع حتى والدك الذي لم يضن بك ولكنه استطاع تحكيم عقله وتغلب على مشاعره كأب يسعى لمصلحة ابنته.
أختي الكريمة، أنت مؤمنة بشرعية التعدد.. مؤمنة بحكمته وهي في حالتكم هذه واضحة وضوح الشمس، فالوضع الاجتماعي في السودان بعد هذه الحرب يشبه وضع المسلمين في المدينة من حيث قتلى الرجال وما يستتبع ذلك من مسئوليات اجتماعية لا يمكن غض النظر عنها، والتشريع الإسلامي له فلسفة أساسية أنه يراعي مصلحة الجميع فلا يسحق الفرد ولا يهدر مصلحة الجماعة وتكون الأولوية لقيمة الفضيلة؛ فالرجل في الظروف العادية عندما يكون بحاجة للزواج الثاني يبيح له الإسلام ذلك رغم الألم الذي تعانيه زوجته الأولى، ليس لأنه يحابي الرجل، ولكن لأنه يعلي من قيمة الفضيلة، وبديل الزواج هو الزنا (وفي كلتا الحالتين ستعاني الزوجة الأولى من الألم الذي هو جزء من الحياة.. حتى لو تطلقت ستعاني الألم)، طبعا مع مراعاة العدل وتحمله لمسئولية قراره وحفظ الأنساب، وكل هذه الأمور التي لا أريد أن أستطرد فيها لكني فقط أريد أن أضيء القضية في عقلك بعيدًا عن ألمك الخاص.
أما في الظروف غير العادية مثل زمن الحروب القاسي الذي تعيشين تفاصيله المرعبة، فالمصلحة العليا للعائلات بل للأمة كلها تستدعي تشريع التعدد، وهنا على المرأة الفرد أن تتعالى على مشاعرها الطبيعية في الاستئثار برجلها، ولا يعني الاستعلاء أن هذه المشاعر ستختفي بل يعني أنها ستكون تحت السيطرة مع بعض نوبات الألم الحاد بين الحين والآخر، فكيف تستطيعين أنت أن تسيطري على مشاعرك؟
ـ بالقرب من الله عز وجل عن طريق كثرة الأذكار حتى يطمئن قلبك (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ـ أن تقرئي كثيرًا عن فلسفة الإسلام في الأسرة وخاصة الحكمة من إباحة التعدد؛ فالتعديل المعرفي وتعميق الفهم يساعد في تعديل المشاعر.
ـ أن تقومي بعمل توجيه واع لمشاعرك في اتجاهات أخرى لتشتيت هذه المشاعر، مثل مزيد من الانتباه للمشكلات التي يعاني منها الأبناء.. القيام بعمل تطوعي.. صناعة أهداف جديدة كحفظ القرآن الكريم.
ـ أن تحتسبي موافقتك لونًا من ألوان القربة إلى الله (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وأنت لا أحب لك أكثر من زوجك وبإمكانك منعه لو أردت ولكنك ستقبلين قربة إلى الله وصدقة على هذه الأسر البائسة.
وأخيرًا، أنصحك بكثرة الدعاء أن يهدئ الله من روعك ويذهب عنك الغيرة، وتابعيني بأخبارك دائمًا.