الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
240 - رقم الاستشارة : 642
10/01/2025
يرى بعض المسلمين الجدد أنه لا بد من الزواج من البنت في سن تسع سنين اقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث تزوج من عائشة وهي ابنة تسع سنين، ولأن القانون الأمريكي يجرم هذه العلاقة فيضطر بعضهم إلى الذهاب للبلاد الفقيرة حتى يتزوج هناك، فما موقف الشرع من هذه المسألة؟، وما واجبي كمسلمة أمريكية ترى هذا الأمر؟ وهل يحق لي إبلاغ الجهات المختصة بهذه الأشياء؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا التصرف بالطريقة المذكورة في السؤال لا يجوز بحال، ولا يمثل تطبيقا لسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم؛ فالنبي قبل أن يتزوج من ابنة التسع سنين تزوج من الأرملة وهو في ريعان الشباب وتزوج من المطلقة التي تكبره سنًّا، وفعله في الزواج من عائشة وهي بنت تسع سنين لا يدل على الوجوب، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، ويمكننا التأكيد على هذا المعنى بما يلي:
أولاً: بعض الناس لا يميز بين تصرفات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا يوقع في خطأ كبير؛ فبعض تصرفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبيل التشريع والتبليغ عن الله تعالى، وهذه تصرفات واجبة كالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الفرائض، أو مندوبة كالنوافل والسنن الراتبة، وبعضها فعلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبيل العرف والعادة، أو طبيعته الإنسانية كمشيه ولباسه، وفراش نومه وبيته، وأدوات شربه وطعامه، أو فعلها وهي خصوصية من خصوصياته كالزواج بأكثر من أربع، ومواصلته الصيام أكثر من يوم ، وغير ذلك.
ثانيًا: في كثير من الحالات نلبس شهواتنا وما تميل إليه نفوسنا لباس الشرع، فنجاهد في غير ميدان، كالذي يبذر على سطح الماء أو ينسج في الهواء فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي تزوج عائشة وهي بنت تسع سنين، تزوج خديجة وعمرها أربعون عامًا، وقد تزوجت بزوجين قبله، وتزوج الأرملة، والمطلقة، ولم يتزوج بكرًا غيرها، على الرغم من أن الزواج بالمطلقات لم يكن سائغًا، ولا شائعًا عند العرب بسبب الغيرة، فلماذا يحرص هؤلاء الرجال على الزواج ممن عمرها تسع سنين، ولا يحرصون على الزواج من الأرامل والعجائز؟!
ثالثًا: علينا ألا نغفل الزمان والمكان وأثرهما في تغير الفتوى والأحكام؛ فالبيئة العربية بقساوتها وشدة حراراتها كانت تنضج الناس سواء أكانوا رجالا أم نساء بشكل كبير، والذي يتابع السيرة ويرى أن ابن الثانية عشرة كان يحمل السلاح ويذهب في الغزوات مجاهدًا في سبيل الله تعالى، ويتزوج فيتحمل مسئولية أسرة من زوجة وأولاد، وثمة فارق بيننا وبينهم كبير فابن العشرين في معظم البلاد لا يزال كلاًّ على مولاه!!
ومما يؤكد هذا ـ كما يذكر بعض المؤرخين ـ أن جبير بن المطعم بن عدي تقدم لخطبة عائشة، وحدث بذلك أبويه فقبلا بادئ ذي بدء وذهبا إلى أبي بكر راغبين في إتمام الزواج.. غير أنهما خشيا بعد قليل أن يترك ابنهما دين آبائه، ويعتنق الإسلام متأثرًا بأصهاره، فتريثا في الأمر، وبدا لهما أن يرجئاه. وهنا جاءت خولة بنت حكيم إلى أبي بكر تذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم- يتجه إلى طلب عائشة، وذهب أبو بكر إلى المطعم يسأله: أهو باق على رغبته في خطبتها لابنه؟ فاعتذر إليه، وترك له حرية التصرف.
ومن هنا نعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يخرق العرف القائم، ولم يصطدم بالواقع عندما تزوج من عائشة ـ رضي الله عنها في هذه السن.
رابعًا: الذي يحدث الآن يخالف الواقع، فلا نعرف في أي بلد أن ابنة التاسعة تقوى على القيام بأعباء الزوج، كما لا تقوى على الجماع والحمل والولادة والرضاعة، وهذا ما يوضحه العلم المبني على الواقع، وبالتالي نحن نقتل الطفولة في هذه البنت بهذا الزواج، ونتسبب في إيلامها وضررها، وفي شريعتنا الغراء لا ضرر ولا ضرار.
خامسًا: إن هذا التصرف يخالف القانون الذي لا يعارض الشرع؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي قال "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقال "خذوا عني مناسككم" لم يقل تزوجوا كما رأيتموني أتزوج، وبالتالي علينا أن نتزوج بالطريقة التي تناسب الزمان والمكان الذي نعيش فيه، ما دامت هذه الطريقة لا تخالف الشريعة الإسلامية.
سادسًا: أما عن دور الأخت السائلة، فعليها أن تبدأ أولا بالنصح والإرشاد، وتوضيح هذه المسألة بأدلتها، فإن انتصح هؤلاء الناس فبها ونعمت، وإن لم ينتصحوا فعليها أن توقف هذه التصرفات بأي وسيلة تراها حتى لو أدى الأمر إلى إبلاغ السلطات.
والله تعالى أعلى وأعلم