اشتراط الأضعاف المضاعفة في تحريم الربا

Consultation Image

الإستشارة 22/07/2025

بعض الناس يرى أن الربا المحرم في القرآن الكريم هو ما كان أضعافا مضاعفا، أما إن كان أقل من ذلك فليس ربا ويستدل بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فهل هذا التفسير صحيح ؟

الإجابة 22/07/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فهذه شبهة لا تقف على قدم لأسباب كثيرة، منها أن هذه ليست آخر ما نزل من القرآن في شأن الربا، ومنها أن المراد منها -والله أعلم بمراده– أن الربا مع طول الزمان سيؤول إلى الأضعاف المضاعفة وليس شرطًا أن يكون ذلك في عام واحد أو عامين، وقد رأينا تفسيرًا عمليًّا لهذه الآية على مستوى الأفراد وعلى مستوى الحكومات حيث يبدأ الفرد أو الحكومة باقتراض مبلغ معين ثم عندما يأتي موعد السداد فيتعثر فيستدين من البنك أو الشخص قرضًا جديدًا أكبر ليقضي به الدين السابق، وتستمر هذه الحالة حتى يتحول الألف إلى عشرة آلاف أو أكثر، ويحدث مع الحكومات فيما يسمى بجدولة الديون.

 

وقد حرم القرآن الكريم الربا على أربع مراحل؛ الثلاثة الأولى منها لم يكن التحريم قطعيًّا، وقد جاء التحريم في الآية الرابعة، وهي من آواخر ما نزل من القرآن الكريم.

 

يقول الشيخ سيد قطب -رحمه الله-:

 

(إن قومًا يريدون في هذا الزمان أن يتواروا خلف هذا النص، ويتداروا به؛ ليقولوا: إن المحرم هو الأضعاف المضاعفة، أما الأربعة في المائة والخمسة في المائة والسبعة والتسعة؛ فليست أضعافًا مضاعفة، وليست داخلة في نطاق التحريم.

 

ونبدأ فنحسم القول بأن الأضعاف المضاعفة وصف لواقع، وليست شرطًا يتعلق به الحكم، والنص الذي في سورة البقرة قاطع في حرمة أصل الربا بلا تحديد ولا تقييد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 278] أيًّا كان، فإذا انتهينا من تقرير المبدأ فرغنا لهذا الوصف؛ لنقول إنه في الحقيقة ليس وصفًا تاريخيًّا فقط للعمليات الربوية التي كانت واقعة في الجزيرة، والتي قصد إليها النهي هنا بالذات، إنما هو وصف ملازم للنظام الربوي المقيت، أيا كان سعر الفائدة.

 

إن النظام الربوي معناه إقامة دورة المال كلها على هذه القاعدة، ومعنى هذا أن العمليات الربوية ليست عمليات مفردة ولا بسيطة؛ فهي عمليات متكررة من ناحية، ومركبة من ناحية أخرى؛ فهي تنشئ مع الزمن والتكرار والتركيب أضعافًا مضاعفة بلا جدال.

 

إن النظام الربوي يحقق بطبيعته دائمًا هذا الوصف؛ فليس هو مقصورًا على العمليات التي كانت متبعة في جزيرة العرب، إنما هو وصف ملازم للنظام في كل زمان) انتهى كلام الشيخ بتصرف يسير.

 

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله -:

 

هذه شبهة أثيرت منذ أوائل هذا القرن الميلادي بدعوى الاستناد إلى الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً.

 

ومن المعلوم لمن يتذوقون العربية ويفقهون أساليبها أن هذا الوصف للربا إنما سيق لبيان الواقع وتبشيعه، وأنهم بلغوا فيه إلى هذا الحد عن طريق الربا المركب المتصاعد.

 

ومثل هذا الوصف لا يعتبر قيدًا في المنهج؛ بحيث يجوز ما لم يكن أضعافًا مضاعفة..

 

وقد جرت سنة التحريم في الإسلام أن يمنع القليل خشية الوقوع في الكثير، وأن يغلق الباب الذي يمكن أن تهب منه رياح الفساد والإفساد، ثم ما القليل والكثير؟ وما الذي يجعل 10% قليلا؟ و12% كثيرًا؟ وما المعيار الذي يحتكم إليه؟

 

ولو أخذنا مظاهر ألفاظ الآية الكريمة لكانت الأضعاف المضاعفة ما بلغ 600% كما قال شيخنا الدكتور محمد عبد الله دراز؛ لأن كلمة ((أضعاف)) جمع وأقله ثلاثة، فإذا ضوعفت الثلاثة، ولو مرة واحدة كانت ستة؛ فهل يقول بهذا أحد؟ انتهى كلام الشيخ.

 

وقد تناول القرآن الكريم حديث الربا في أربعة مواضع:

 

الموضع الأول: قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39].

 

الموضع الثاني: قول الله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 160، 161].

 

الموضع الثالث: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 130].

 

الموضع الرابع: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 278، 279].

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :