الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العبادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
399 - رقم الاستشارة : 2276
05/08/2025
السلام عليكم، يوجد مجموعة طالعة مصيف إلى مكان يبعد 250 كيلومترا من أسبوع إلى عشرة أيام اختلفوا عندما يصلون هل يقصرون ويجمعون الصلاة أم لا بعضهم قال القصر والجمع أثناء الرحلة وأن نتم الصلاة ونجمع في الإقامة في المصيف والبعض قال نقصر ونجمع حتى أثناء الإقامة في المصيف.. ما الرأي الفقهي في ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمسألة جمع الصلاة أوسع من القصر، فقد جمع النبي ﷺ في غير سفر ولا مطر، ولما سئل ابن عباس عن الحكمة من ذلك قال أراد النبي ﷺ ألا يحرج أمته، فيمكنكم جمع الصلوات ما دمتم على سفر بشرط ألا يتخذ المسلم ذلك عادة له في السفر والحضر.
أما القصر فمحل خلاف كبير بين الفقهاء، فالأكثر على أن مدة القصر لا تزيد عن أربعة أيام، وبعضهم قال خمسة عشر يومًا، وبعضهم قال يقصر في السفر ما دام لم يستوطن المكان، واختلافهم سعة ورحمة، ويجوز للمسلم أن يقلد رأيًّا فقهيًّا يستريح إليه دون أن ينكر على الآخرين إن اختاروا رأيًّا مخالفًا.
وقد نقل الشيخ سيد سابق آراء العلماء في كتاب فقه السنة عن ابن القيم -رحمهما الله – فقال:
وللعلماء في ذلك آراء كثيرة، لخصها ابن القيم وانتصر لرأيه فقال: أقام رسول الله ﷺ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفق إقامته هذه المدة.
وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع، وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافًا كثيرًا.
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قام النبي ﷺ في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين فنحن إذا أقمنا تسع عشرة نصلي ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا، وظاهر كلام أحمد أن ابن عباس أراد مدة مقامه بمكة زمن الفتح فإنه قال: أقام رسول الله ﷺ بمكة ثماني عشرة يومًا من الفتح لأنه أراد حُنينا ولم يكن ثمَّ أجمع المقام وهذه إقامته التي رواها ابن عباس. وقال غيره بل أراد ابن عباس مقامه بتبوك، كما قال جابر بن عبد الله: أقام النبي ﷺ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة.
وقال المسور بن مخرمة: أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد ونتمها. وقال نافع: أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول .وقال حفص بن عبيد الله: أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر. وقال أنس: أقام أصحاب النبي ﷺ برام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة... فهذا هدي النبي ﷺ وأصحابه كما ترى وهو الصواب.
وأما مذهب الناس فقال الإمام أحمد: إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر، وحملت هذه الآثار على أن رسول الله ﷺ وأصحابه لم يجمعوا الإقامة ألبتة بل كانوا يقولون اليوم نخرج غدا نخرج. وفي هذا نظر لا يخفى، فإن رسول الله ﷺ فتح مكة، وهي ما هي، وأقام فيها يؤسس قواعد الاسلإم ويهدم قواعد الشرك ويمهد أمر ما حولها من العرب، ومعلوم قطعًا أن هذا يحتاج إقامة أيام ولا يتأتى في يوم واحد ولا يومين، وكذلك إقامته بتبوك فإنه أقام ينتظر العدو، ومن المعلوم قطعًا أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل تحتاج إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يوافقون في أربعة أيام، وكذلك إقامة عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة من أجل الثلج. ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج لا يتحلل ويذوب في أربعة أيام بحيث تفتح الطريق، وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصر، وإقامة الصحابة برام هرمز سبعة أشهر يقصرون.
ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد لا ينقضي في أربعة أيام. وقد قال أصحاب أحمد: إنه لو أقام لجهاد عدو، أو حبس سلطان، أو مرض قصر، سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة. وهذا هو الصواب، لكن شرطوا فيه شرطا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الأيام...
وقال مالك والشافعي: إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن نوى إقامة خمسة عشر يومًا أتم وإن نوى دونها قصر. وهو مذهب الليث بن سعد. وروي عن ثلاثة من الصحابة عمر وابنه وابن عباس. وقال سعيد بن المسيب: إذا أقمت أربعًا فصل أربعًا، وعنه كقول أبي حنيفة رحمه الله. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن أقام عشرا أتم. وهو رواية عن ابن عباس. وقال الحسن: يقصر ما لم يقصر مصرا. وقالت عائشة: يقصر ما لم يضع الزاد والمزاد.
والأئمة الأربعة رضوان الله عليهم متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول اليوم أخرج فإنه يقصر أبدًا إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوما ولا يقصر بعدها. وقد قال ابن المنذر في إشرافه: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون.
والله تعالى أعلى وأعلم