كيف أوازن بين التحذير من المنكر والدعوة بالحكمة والرفق؟

Consultation Image

الإستشارة 18/11/2025

أنا (هبة)، طالبة في كلية الشريعة، وأشارك في نشاط دعوي داخل الجامعة. أجد أحيانًا سلوكيات غير لائقة من بعض الطالبات، كالتبرج الملفت، أو إطلاق العبارات الساخرة من بعض الأحكام الشرعية، أو نشر محتويات غير مناسبة في مجموعات الجامعة.

أشعر بالحاجة إلى الإنكار عليهن، لكن أخشى أن يكون أسلوبي منفّرًا فيبتعدن أكثر.. فكيف أوازن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الدعوة بالحكمة والرفق؟

الإجابة 18/11/2025

مرحبًا بكِ أختي الكريمة هبة، وبارك الله فيكِ وفي غيرتكِ على دين الله، فالداعية الصادقة لا تسكت عن المنكر، ولكنها أيضًا تتقن كيف توصل رسالتها بأسلوب يفتح القلوب بدلًا من أن يغلقه، وسؤالك يدل على وعي دعوي ناضج، وهو من القضايا الحساسة التي يخطئ فيها كثير من الشباب والفتيات في الميدان الدعوي، إذ قد يغلب عليهم الحماس فيقسون، أو يغلب عليهم اللين فيتهاونون.

 

إن الله تعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم خصائص هذه الأمة، فقال سبحانه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، وهذه الآية الكريمة بيّنت أن الخيرية لا تتحقق إلا بالتوازن بين الإيمان القلبي، والعمل الصالح، والنصح للخلق.

 

كما قال تعالى في منهج الدعوة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125] فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، والرفق هو أداة إيصال الرسالة بأجمل الأساليب.

 

وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)، وهذا الحديث أصل عظيم في باب الدعوة، فكل دعوة تفتقر إلى الرفق تصبح معرضة لأن تنقلب من وسيلة للهداية إلى سبب للصدود والنفور.

 

خطوات عملية للموازنة

 

وهذه بعض الخطوات العملية لموازنة (الإنكار) مع (الحكمة)، ومنها ما يأتي:

 

1) تمييز نوع المنكر ومستواه: ليس كل منكر يُنكر بالطريقة نفسها. فهناك فرق بين المنكر الظاهر المجاهر، وبين المنكر الذي يصدر عن جهل، وبين المنكر الصادر عن استهزاء، فإن كان عن جهل: فالأسلوب الأمثل هو التعليم الرفيق، وإن كان عن غفلة: فالأسلوب هو التذكير برفق، وإن كان عن تحدٍ واستهزاء: فالأسلوب يكون بالحكمة الشديدة وترك الجدال العقيم.

 

2) اختيار التوقيت والمكان المناسب، فالداعية الحكيمة لا تُنكر في لحظة الانفعال فقط، بل تختار وقتًا تكون فيه النفس أهدأ، والمستقبِل أكثر استعدادًا للسماع. كثير من الإنكارات تفشل لأنها لم تُقَل في وقتها المناسب.

 

3) البدء بالإيجابيات قبل التنبيه على الأخطاء: حين تثنين على جانب خير موجود في الطالبة، ثم تذكرين المنكر بلطف، تفتحين الباب لتقبلها للنصيحة. هذا من فقه النبي ﷺ في مخاطبة الناس، إذ كان يوازن بين الترغيب والترهيب.

 

4) الاستعانة بالقصص القرآنية والسيرة النبوية: فالقصص يفتح القلوب دون جدال مباشر. مثلًا: حين ترين طالبة متبرجة، بدلاً من توجيه اللوم المباشر، يمكنك الحديث عن عفة نساء الصحابة وحياء أمهات المؤمنين، وكيف أن الحجاب شرف لا قيد.

 

5) الاستبصار بأن الهداية بيد الله لا بيدكِ: قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [القصص: 56] مهم أن تذكّري نفسك دائمًا: دورك البلاغ بالحكمة، لا السيطرة على قلوب الناس. هذا يخفف عنك التوتر ويجعل خطابك أهدأ وأعمق.

 

6) الدعاء لمن تنصحينها: الرسول ﷺ دعا لقومه حتى وهم يؤذونه، فقال: «اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون» فالقلوب لا تُفتح بالقسوة، بل بالدعاء والرفق.

 

توازن عملي في بيئة الجامعة:

 

 

في بيئة الجامعة، الحساسية عالية، والفتيات قد يربطن بين أسلوب الداعية وصورة الدين كله. فلو كان الأسلوب جافًّا أو حادًّا، قد تنفر لا من الشخص فحسب، بل من الفكرة نفسها.

أما حين يكون الخطاب لطيفًا، شخصيًا، غير علني، يراعي مشاعر الطرف الآخر، فإنك تغرسين بذرة هداية قد تنبت بعد حين.. وكونك طالبة شريعة يضاعف مسؤوليتك، فأنتِ قدوة قبل أن تكوني ناصحة، وسلوكك الصامت قد يكون أبلغ من عشرات الكلمات.

 

ونصيحتي لك:

 

- اجمعي بين حرارة الغيرة على الدين وبرودة الحِلم.

 

- لا تجعلي الحماس يدفعك للانفعال، ولا تجعل الرفق يدفعك للصمت عن المنكر.

 

- استعيني بقول النبي ﷺ: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا».

 

- وكوني على يقين أن كلمة لينة في وقتها قد تفتح قلبًا أُغلق سنينًا.

 

- وداومي على محاسبة نفسك في كل إنكار: هل كان الهدف هداية الخلق أم إثبات الصواب لنفسي؟

 

وأسأل الله أن يرزقكِ الحكمة في القول والعمل، وأن يجعل دعوتك سببًا لهداية القلوب الضالة، وأن يثبتكِ على الحق، ويجعلكِ قدوة حسنة لبنات جنسك، ويزيدك علمًا ورفقًا وبصيرة، ويجعلك من (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا).

 

روابط ذات صلة:

الدعوة إلى الله بين جرأة الصدع بالحق وحكمة مخاطبة القلوب

كيف أكون داعية بين زملائي؟ طريق التأثير برحمة وحكمة

الرابط المختصر :