الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة في المهجر
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
21 - رقم الاستشارة : 3368
20/11/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا داعية لي دروس علمية متخصصة ومقالات فكرية. لكنني أشعر بواجب ضرورة إيصال الرسالة إلى "عامة الناس" أو "الطبقات البسيطة" غير المتخصصة، وهؤلاء يحتاجون إلى خطاب سهل ومباشر.
سؤالي: ما هي ضوابط "النزول الدعوي" إلى مستوى العوام (من حيث اللغة، والأمثلة، والعمق) دون أن يقع الداعية في التسطيح المخلّ بالحقائق الشرعية؟ وكيف أفرق بين التبسيط المشروع الذي يهدف إلى التفهيم، وبين التسطيح المذموم الذي يفقِد الخطاب الدعوي هيبته وقيمته العلمية؟ وما هي المحاذير التي يجب أن أتجنبها عند مخاطبة العامة؟ أرجو الإطالة في المنهجية. جزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيها الداعية الفقيه، وشكر الله لك حرصك على أن تكون دعوتك شاملة ومبينة لجميع الناس. إن "النزول إلى مستوى العوام" هو فن البيان، وهو ما يطلق عليه "فقه تيسير العلم" وأسأل الله أن يرزقك الحكمة في بيانك وأن يفتح لك قلوب العامة والخاصة.. ومنهجية النزول الدعوي إلى مستوى العوام (التيسير لا التسطيح)، النّزول إلى مستوى العوام هو تقليد للمنهج النبوي والقرآني في ضرب الأمثال والتوضيح.
الضوابط المنهجية في الخطاب
1) التفرقة بين "التبسيط" و"التسطيح"، التبسيط المشروع: هو استخدام لغة سهلة، وأمثلة واقعية ملموسة، وقصص مفهومة، لتوصيل حقيقة شرعية عميقة أو حكم فقهي دقيق. الداعية هنا يُخفي تعقيد المعلومة دون إخفاء المعلومة نفسها، والتسطيح المذموم: هو الإخلال بحقائق الشريعة أو حذف لأركان وأصول المسألة بحجة التيسير، أو تقديم وعود أو نتائج غير صحيحة، أو المبالغة في الترغيب والترهيب بغير دليل. هذا محرم لأنه كذب على الشريعة.
2) التركيز على الكليات دون التفاصيل: عند مخاطبة العامة، ركّز على الأصول (أركان الإسلام، العقيدة المنجية، الأخلاق الكبرى، مقاصد الشريعة)، وتجنب الخوض في مسائل الخلاف الفقهي المعقدة التي لا تفيدهم.
3) ضرب الأمثال الملموسة: استخدام الأمثال الحسية والمألوفة في حياتهم، والأدلة الشرعية: القرآن الكريم مليء بضرب الأمثال للحسِّ والتعقيل: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
محاذير يجب تجنبها عند مخاطبة العامة
1) محذور "الإفتاء بغير علم": عدم الخوض في الإفتاء في مسائل صعبة أو لا تملك فيها علمًا راسخًا لمجرد إرضاء الجمهور أو التبسيط. إذا سُئلت عن أمر لا تعلمه، فقل: "لا أعلم"، فهذا من هيبة الداعية.
2) محذور "التهويل والمبالغة في القصص": تجنب ذكر القصص الواهية أو الرؤى والأحلام غير الثابتة لمجرد تحريك العواطف، فهذا يضر بالمصداقية على المدى الطويل.
3) محذور "الخوض في دقائق العقيدة": تجنب الخوض في تفاصيل الأسماء والصفات أو القضاء والقدر أو قضايا الفلسفة العميقة التي قد تفتح عليهم باب الشكوك، بل يجب إيصالها إليهم بيقين مُبَسَّط.
الجانب العملي في الأداء
1) لغة الحوار لا الإلقاء: استخدم صيغة السؤال والجواب، واسمح لهم بالأسئلة البسيطة. هذا يكسر حاجز الخوف ويرفع من مستوى الفهم.
2) استخدام التقنية البصرية: في هذا العصر، البصر أبلغ من السمع. استخدم الصور، المقاطع القصيرة، والمخططات البسيطة، لتوضيح المعلومة.
وختامًا:
أيها الداعية الميسر، تذكر أن النبي ﷺ كان يخاطب الأعرابي البسيط بما يفهمه، ويجيب عن سؤال "من أحق الناس بحسن صحابتي؟" بثلاثة "أمك" للفت انتباه السامع. فاجعل هدفك هو توصيل الرسالة بوضوح، لا استعراض العلم بعمق. فخير القول ما نفع، وأسأل الله أن يجعل كلامك سهلاً مُيسّرًا على العامة، وأن يجعلك مفتاحًا للخير وسببًا في هداية القلوب، وأن يجنبك التكلف والتسطيح، وأن يرزقك القبول.
روابط ذات صلة:
فقه الموازنة بين دعوة الجماهير والنخب
التوفيق بين المنهج التدرجي والمنهج الشمولي في الدعوة الفردية