الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : الدعوة في المهجر
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
72 - رقم الاستشارة : 3196
04/11/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا أدير مركزًا دعويًّا كبيرًا. الحمد لله، أعمالنا كثيرة ومفيدة للمجتمع. لكننا لاحظنا شيئًا جديدًا: عملنا الدعوي أصبح مثل "الزجاج المكبر" أو "المجهر"
كل خطوة، كل كلمة لدَاعية، أو أي تصرف للمركز، ينتقل بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تحليله ونقده، وأحيانًا يُفهم بالخطأ. هذا يضع ضغطًا كبيرًا علينا ويُهدد ثقة الناس بالمركز.
سؤالي: كيف نتعامل بذكاء وحكمة مع هذه الشفافية العالية والرقابة المتزايدة، دون أن نتخلى عن عملنا المهم خوفًا من النقد أو سوء الفهم؟ وهل هناك قواعد شرعية ومنهجية تساعدنا في إدارة الأزمات الدعوية التي تأتي من الإعلام؟ جزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أهلًا وسهلًا بك أيها الأخ الفاضل، وشكر الله لكم هذا الجهد العظيم في خدمة الإسلام. سؤالكم يلمس قلب الدعوة في هذا العصر.
صحيح أن أدوات التواصل الجديدة جعلتنا تحت رقابة مستمرة، وهذه الرقابة "سلاح ذو حدين": هي فرصة عظيمة لوصول رسالتنا بصدق، وهي تحدٍّ كبير يحتاج إلى حكمة بالغة ومهارة عالية، ودعني -أخي الكريم- أرتب لك الإجابة في نقاط بسيطة.
أساسيات التعامل مع الرقابة: "الأصل والجديد"
أولا: الأصل الثابت (الرقابة الإلهية أولا)
قبل أن ننظر إلى رقابة الناس، يجب أن نستحضر رقابة الله عز وجل. قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ). هذا التفكير يوجب علينا أمرين:
1. الإخلاص وتصفية النية: العمل للدعوة يجب أن يكون خالصًا لوجه الله وحده. الإخلاص هو درعكم ضد الخوف من نقد الناس أو الوقوع في فخ الرياء.
2. التثبت والإتقان: يجب أن يكون عملكم الدعوي مبنيًا على علم شرعي صحيح، ومُدارًا باحترافية عالية. النبي ﷺ قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". إذا كان العمل صحيحًا ومتقنًا، كان ردكم على أي نقد أقوى وأسهل.
ثانيًا: الاستراتيجيات الجديدة (إدارة الصورة باحتراف)
لكي تتكيفوا مع كون المركز تحت المجهر، عليكم اتخاذ خطوات عملية وذكية:
أ. الشفافية الاستباقية (كونوا أنتم المُبادرين)
بدلا من انتظار النقد حتى يأتي، بادروا أنتم بعرض أعمالكم وأهدافكم بكل وضوح:
* نشر التقارير الدعوية: أصدروا تقارير بسيطة وسهلة الفهم عن إنجازاتكم وأنشطتكم بشكل دوري. هذا يَبني الثقة ويُزيل الشبهات قبل ظهورها.
* توضيح الرؤية والهدف: اجعلوا هدف المركز ورسالته واضحة ومُعلنة للجميع. بهذا، سيعرف الناقد والداعم ما الذي تقومون به بالضبط.
ب. التدريب على الكلام الإعلامي (كيف نقول رسالتنا بوضوح؟)
* دربوا الدعاة والعاملين على كيفية اختيار العبارات في اللقاءات العامة.
* علّموهم كيف يتجنبون الكلام الغامض أو الذي يمكن أن يُفسر بأكثر من طريقة، واحرصوا على أن تكون رسائلكم الدعوية مباشرة وموجزة.
إدارة الأزمات الدعوية والإعلامية (خطة الرد السريع)
هذا هو الجانب الأهم عند ظهور أي سوء فهم أو هجوم نقدي. يجب أن تكون لديكم خطة عمل واضحة وسريعة:
1. الرصد السريع: كوّنوا فريقًا بسيطًا مهمته متابعة كل ما يُقال عن المركز في الإعلام ووسائل التواصل. العلم بالمشكلة فور وقوعها نصف حلها.
2. التقييم العادل: عندما تحدث مشكلة، قيموها داخليًّا بكل أمانة. هل حدث خطأ بشري فعلاً؟ هل يجب علينا أن نوضح الأمر أو نعتذر عن خطأ غير مقصود؟
3. سرعة الاستجابة ووضوحها: القاعدة تقول: "الرد المتأخر مثل عدم الرد".
* يجب إصدار بيان رسمي قصير وواضح ومحترم في أسرع وقت.
* هدف البيان: إزالة اللبس وتصحيح المعلومة الخاطئة، دون الدخول في نقاشات أو معارك جانبية لا فائدة منها.
* تذكروا أمر الله بالتثبت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...) هذا التثبت واجب عليكم قبل أن تتحدثوا، وواجب على الناس قبل أن يصدقوا الأخبار عنكم.
ج. الانفتاح على المجتمع والجهات الرسمية
على المركز أن يكون جزءًا إيجابيًا وفعالًا من المجتمع، وليس كيانًا معزولًا:
* بناء علاقات جيدة: مدوا جسور التعاون والتفاهم مع الجهات الرسمية المسؤولة عن العمل الدعوي والمجتمعي.
* التعامل مع النقد بذكاء:
- النقد البنّاء: تعاملوا معه كهدية وفرصة للتطوير والتحسين. قيل: "رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي".
- النقد الهدّام/التشهير: لا تنجروا إلى الجدالات الشخصية. ردوا على هذا النوع من النقد بنشر الحقائق والتركيز على عملكم الإيجابي، واتركوا الحكم للعامة.
وأخيرًا، أيها المدير الفاضل، كونكم في المجهر هو دليل على أن عملكم مهم ومؤثر. تذكروا أن الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة، ولا تجعلوا خوفكم من النقد يوقف مسيرة الخير. بل اجعلوا هذا النقد حافزًا لزيادة الإتقان والدقة في كل ما تقدمونه، واستعينوا بالله وتوكلوا عليه، واجعلوا شعاركم دائمًا: "أحسنوا فيما بينكم وبين الله، يُحسن لكم ما بينكم وبين الناس".. بارك الله في مركزكم وجهودكم، وسددكم في كل قول وعمل.
روابط ذات صلة: