ضوابط ومقاصد الاعتذار الرسمي عن الأخطاء الدعوية أمام الجمهور

Consultation Image

الإستشارة 19/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا مدير إعلامي في مؤسسة دعوية لها حضور جماهيري وإعلامي كبير. في بعض الأحيان، قد يقع خطأ غير مقصود من أجد الدعاة (كزلة لسان في تقدير موقف، أو خطأ في نقل معلومة، أو سوء توقيت في طرح مسألة). هذا الخطأ غالبًا ما يتم التقاطه وتضخيمه فورًا من قبل المتربصين.

سؤالي: ما هي الضوابط الشرعية والإدارية التي تحكم مسألة "الاعتذار الرسمي" أمام الجمهور؟ متى يكون الاعتذار واجبًا شرعيًّا أو إداريًّا؟ وما هي أهداف الاعتذار (هل هو لدرء التهمة أم لطلب المغفرة؟).

وهل يفضل أن يكون الاعتذار عامًّا وموجزًا أم تفصيليًّا؟ أخشى أن الاعتذار يظهرنا بمظهر الضعف والتردد، وأخشى أن التكتم يفقدنا المصداقية. أرجو الإفادة بمنهج متوازن. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 19/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً بك أيها المدير الفاضل، وشكر الله لك حرصك على سمعة الدعوة ومصداقية مؤسستكم. إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه بحكمة هو قمة الحنكة الإدارية والدعوية في هذا العصر. إنكم تسألون عن "فقه الاعتذار الدعوي في زمن الشفافية، وأسأل الله أن يرزقكم السداد في القرارات والبيان.

 

وتلك منهجية الاعتذار الدعوي (بين المصداقية ودرء المفسدة)، فالاعتذار الحكيم هو أداة لإدارة السمعة، يُستخدم بجرأة في موضعه، وبحكمة في كيفيته.

 

الضوابط الشرعية والإدارية لوجوب الاعتذار

 

لا يكون الاعتذار واجبًا إلا إذا ترتبت على الخطأ مفسدة عامة أو خاصة.

 

1) الخطأ المتعلق بحقوق العباد: إذا كان الخطأ قد تسبب في ضرر مباشر أو إضرار مادي أو معنوي لجهة أو شخص (كالتشهير، أو فتوى خاطئة أدت إلى ضرر مالي). في هذه الحالة، الاعتذار واجب شرعي لرد الحقوق، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾، والاعتذار في حق العباد هو جزء من التوبة.

 

2) الخطأ الذي يمس الثوابت الشرعية: إذا كان الخطأ متعلقًا بمسألة عقدية، أو بتحليل حرام أو تحريم حلال بشكل واضح. في هذه الحالة، التصحيح والاعتذار واجبان لئلا يُنسب إلى الدين ما ليس منه.

 

3) الخطأ الذي يهدد المصداقية العامة: إذا كان الخطأ واضحًا وظاهرًا للجمهور، وتضخيمه يؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسة. في هذه الحالة، الاعتذار واجب إداري لدرء المفسدة.

 

أهداف الاعتذار وكيفيته (محتوى الاعتذار)

 

يجب أن يكون الاعتذار مدروسًا وموجهًا لتحقيق أهداف محددة.

 

1) الهدف الأساسي: الإقرار بالتصحيح: الهدف من الاعتذار ليس مجرد تبرير الموقف، بل إظهار الالتزام بالحق والتراجع عن الخطأ. يجب أن يركز البيان على "ما سيتم عمله للتصحيح" أكثر من التركيز على "ما حدث في الخطأ".

 

2) التفرقة بين الاعتذار العام والتفصيلي، فالاعتذار الموجز والعام: يُستخدم في الأخطاء التي هي "زلات لسان" أو "سوء تقدير" يكون موجزًا، لا يفتح أبوابًا للجدل، ويركز على الأسف والتأكيد على الالتزام بضوابط النشر، والاعتذار التفصيلي (التبيان): يُستخدم في الأخطاء التي تمس الأحكام أو الحقوق. يجب أن يشتمل على بيان الخطأ الشرعي وتصحيحه بالدليل، مع توضيح الإجراءات المتبعة لعدم تكرار ذلك.

 

3) تجنب المبالغة والتبرير: يجب أن يكون الاعتذار صادقًا وبنبرة متواضعة، لكن دون مبالغة في جلد الذات. تجنب التبرير الذي قد يراه الجمهور محاولة لرمي اللوم على الآخرين.

 

آلية الإدارة الإعلامية للاعتذار

 

1) سرعة الاستجابة: يجب أن يكون الرد سريعًا جدًّا (في غضون ساعات) لامتصاص الأزمة قبل أن تتضخم. التباطؤ في الرد يُفهم على أنه محاولة للتكتم.

 

2) تحديد المتحدث الرسمي: يجب أن يصدر الاعتذار باسم المؤسسة أو من شخصية قيادية معتبرة داخلها (المدير أو رئيس المجلس الشرعي)، لضمان قوة وثقل البيان.

 

وختامًا:

 

أيها المدير الحكيم، الاعتذار ليس ضعفًا، بل هو شجاعة ومصداقية. قال الإمام الشافعي: "ما جادلتُ أحدًا إلا تمنيتُ أن يُظهِر اللهُ الحقَّ على لسانه"، فالتسليم للحق هو الأصل.

 

اجعلوا نقدكم الذاتي أداة للتطوير المستمر، حتى تقللوا من فرص الخطأ التي تستدعي الاعتذار العلني.

 

وأسأل الله أن يلهمكم رشدكم، وأن يوفقكم لاتخاذ القرارات السديدة في إدارة الأزمات، وأن يحفظ مؤسستكم من كيد المتربصين، وأن يزيدكم ثباتًا ومصداقية في الأمة.

 

 

روابط ذات صلة:

«ثقافة الاعتذار».. هل هي رجولة أم ضعف؟

قيمة الاعتذار.. سلعة الزمان النادرة

فضيلة الاعتذار في ثقافتنا

الرابط المختصر :