كيف أجعل الخطاب الدعوي قريبًا من الناس محتفظًا بأصالته؟

Consultation Image

الإستشارة 18/11/2025

أنا (سالم) شاب في الثلاثين من عمري، أعمل في مركز دعوي في إحدى المدن الكبرى. لاحظت أن كثيرًا من الناس لا يتفاعلون مع الخطاب الدعوي التقليدي، ويشعرون بأنه بعيد عن واقعهم.

أريد أن أجعل خطابنا الدعوي قريبًا من الناس، لكنه في الوقت نفسه لا يفقد أصالته الشرعية. كيف يمكن تحقيق هذا التوازن الصعب؟ وشكرا لكم..

الإجابة 18/11/2025

أهلًا ومرحبًا بك أخي الكريم سالم، وبارك الله في همتك المباركة وغيرتك على دين الله، فما أجمل أن ينشغل الداعية بالسؤال عن كيفية تقريب الدين إلى قلوب الناس دون أن يميعه أو يفرغه من محتواه الأصيل.

 

خطاب الناس بلسانهم

 

إن من أهم مقاصد الدعوة الإسلامية أن تخاطب الناس بلسانهم، وتعالج قضاياهم الواقعية، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: 4]. فبيّن أن وسيلة البيان الأمثل هي القرب من الناس، وفهم لغتهم ومشكلاتهم وواقعهم.

 

والنبي ﷺ ضرب أروع الأمثلة في ذلك، فكان يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويعالج مشاكلهم كما هي. فعندما جاءه رجل يسأله أن يأذن له بالزنا، لم يصرخ فيه أو يزجره، بل أقام معه حوارًا عقلانيًا مؤثرًا، ثم دعا له فخرج الرجل من عنده وليس شيء أبغض إليه من الزنا، وهذا المثال النبوي يعلّمنا أن الخطاب الواقعي لا يتنافى مع أصالة الدين، بل يعززه ويقويه..

 

تحقيق التوازن

 

وهذه خطوات عملية لتحقيق التوازن فيما تطلب وتريد، اعلم الآتي واعمل به:

 

1) الإنصات العميق للناس: قبل أن تتكلم، افهم ما يواجهونه من مشاكل؛ اسمع الشباب، الأمهات، الموظفين… لتبني خطابك من واقعهم.

 

2) التركيز على المقاصد لا الألفاظ: الهدف من الدعوة إيصال الهداية، وليس إلقاء كلمات ثقيلة لا يفهمها الناس.

 

3) الاستدلال الرشيق: استخدم الأدلة القرآنية والحديثية في مواضعها بلغة واضحة؛ فالقرآن نزل للعامة والخاصة.

 

4) استخدام القصص الواقعية: الناس تتأثر بالقصة أكثر من المجردات النظرية.

 

5) المرونة في الوسائل مع الثبات في الأصول؛ فكما تتغير الأبواب وتتطور الوسائل، يبقى الوحي مصدر الهداية.

 

لكن اسمح لي أن أؤكّد على تنبيه مهم: حيث لا يعني تقريب الخطاب التنازل عن الحقائق الشرعية أو تمييع القيم؛ فالحقائق الشرعية ثابتة لا تتبدل، قال تعالى: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 62]، وكما أكّد علماؤنا الأكارم بأنّ الشريعة مبناها على الحكمة والمصلحة للعباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها.

 

وخلاصة الجواب: يمكنك أن تقدم الإسلام للناس بروح العصر، دون أن تتنازل عن أصله، وذلك عبر: فهم الواقع، إتقان الخطاب، المحافظة على النصوص، تبني لغة تواصلية راقية، واستحضار مقاصد الدعوة.

 

ونصيحتي لك: لا تخف من التجديد في الوسائل إن كان المنهج واضحًا، واحرص على الدعاء بأن يفتح الله لك قلوب الناس، وأسأل الله أن يفتح لك أبواب الحكمة، ويجعلك من الدعاة الراشدين، وأن يرزقك القبول في الأرض، وأن يجعل كلماتك نورًا يهدي بها الحيارى، ويشرح بها صدورًا غلفًا.

 

 

روابط ذات صلة:

فقه الموازنة بين الدعوة العلمية والوعظية في الخطاب العام

تحدي توحيد خطاب الدعاة في المؤسسات الدعوية الكبرى

فن الخطابة والدعوة.. أساليب التأثير وتجنب الملل

الرابط المختصر :