الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الأخلاق والمعاملات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
27 - رقم الاستشارة : 3351
21/11/2025
أنا امرأة شابة أعيش حياتي بين العمل والدراسة، وأتعامل مع الناس بشكل طبيعي.
في الفترة الأخيرة ظهر رجل في محيطي، ليس خطيبًا ولا زوجًا، ولم يُبدِ أي نية للزواج بي، لكنه يطلب مني باستمرار أن أمنحه مساحة من المؤانسة والفضفضة اليومية، بحجة أنه يشعر بالراحة حين يتحدث معي عن همومه وأفكاره.
بدأت أشعر أن هذا الأمر يثقل قلبي، وأتساءل: هل يجوز لي شرعًا أن أستمر في هذه العلاقة الكلامية اليومية، وأنا أعلم أنه مجرد رجل يبحث عن مؤانسة وبيننا شبه مشروع زواج؟
ولكن هناك اختلاف بالبيئة وهو متزوج وأنا لا أحب أن أكون زوجة ثانية؟
وهل يُعد ذلك من باب الإحسان، أم أنه يفتح بابًا للفتنة ويُضعف وقاري كمسلمة؟
مرحبًا بك أختي الفاضلة، وأسأل الله –تعالى- أن يبارك فيك، وأن يحفظ عليك دينك وعفافك، وأن يثبتك على طاعته، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وبعد...
فإنَّه يتضح من سؤالك أنك على قدر كبير من الوعي والفهم؛ فالمسلمة الحقَّة هي التي تقف عند حدود الله، وتدرك خطورة التهاون في التعاملات التي قد تفتح بابًا للشر والفتنة وتضعف الإيمان.
أختي الكريمة، إن الحياة مليئة بالابتلاءات، ومن أعظمها اختلاط الجنسين خارج الإطار الشرعي؛ خصوصًا في هذا الزمن الذي سهلت فيه سُبُل التواصل بدرجة كبيرة ومغرية.
حُكم «المؤانسة» والفضفضة
وبداية أود أن أوضح لك أنَّ الإسلام –قطعًا- يُحرِّم ما أطلقتِ عليه في سؤالك «المؤانسة»، و«الفضفضة»، بين رجل وامرأة أجنبيين، لا تربطهما علاقة شرعية، بهذا الشكل الذي يطلبه ذاك الرجل -هداه الله- وذلك سدًّا للذرائع، وحفظًا للطرفين من الوقوع في شرك الشيطان.
فإن النفس البشرية ضعيفة، والشيطان حريص على إيقاع الإنسان في المعصية بالتدريج، خطوة خطوة، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكرِ﴾ [النور: 21]، وإن مثل هذه الممارسات تُعد مقدمة لارتكاب الفاحشة والزنا –والعياذ بالله- وقد قال الله -عز وجل- محذرًا من مجرد الاقتراب: ﴿ولا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 151]. وقال سبحانه: ﴿ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 32].
إذن، فهذه العلاقة بناءً على المعطيات التي ذكرتِها، والتي تتلخص في وجود حديث يومي دائم بينك وبين رجل أجنبي عنك لا تربطك به أي علاقة شرعية، إضافة إلى انتفاء نية الزواج منه، هي علاقة محرمة يجب قطعها فورًا دون تأجيل.
مخاطر الاستمرار:
المفترض أنك بمجرد علمك بحرمة هذه العلاقة أن تمتنعي عنها فورًا، ولكن دعيني أذكر لك بعض مخاطر الاستمرار فيها لأشد من أزرك، وأدعم قرارك بالقطع:
1- يفتح باب التعلق العاطفي: إنَّ كثرة الحديث والفضفضة بين الرجل والمرأة الأجنبيين تولِّد في القلب عاطفة لا إرادية، خصوصًا مع وجود «الراحة» التي ذكرها. وهذا التعلق هو المدخل الأساسي للفتنة والوقوع فيما لا يُرضي الله، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ بقوله: «ما تركتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء» [رواه البخاري].
2- الوقوع في ذنب الخلوة: وإن لم تكن خلوة حسية (اجتماعكما بجسديكما في مكان واحد)، فهي خلوة معنوية؛ حيث يتبادل الطرفان الأسرار والهموم التي لا ينبغي تبادلها إلا بين الزوجين أو المحارم. والنبي ﷺ قد حذَّر من كل ما يؤدي إلى الخلوة أو يقرب منها فقال: «ألا لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» [رواه الترمذي]. والحديث العاطفي اليومي هو بريد الشيطان إلى القلبين، وقد يتطور تبادل الكلمات إلى تبادل الصور ثم إلى اللقاء الحسي. وقد قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء
ففراق يكون فيه دواء ... أو فراق يكون منه الداء
التفريغ في غير موضعه: إن الراحة النفسية والمؤانسة، هي احتياجات يجب أن تُلبَّى في الإطار الشرعي (الزواج أو الأهل والأصدقاء من الجنس نفسه)، لا عبر فتح باب للمحبة والتعلق المحرَّم مع رجل أجنبي. وقد يؤدي الاستمرار في هذا واستمرائه إلى قطع نوال هذه الاحتياجات -لك وله- من مصدرها الشرعي حاليًّا أو في المستقبل، بعد أن يكون لك زوج يحتاج منك ما تحتاجينه منه.
خفض المكانة وضياع الوقار: سألت عن إضعاف هذا الفعل لوقارك، وهو سؤال في محله؛ فالمؤمنة مأمورة بحفظ كرامتها وعفافها ووقارها بالقول والعمل، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32].
بالتأكيد –أختي الكريمة- الاستمرار في علاقة كهذه يضيع الوقار ويضعف الخشية في القلب، ويجعلك تتنازلين عن حيائك شيئًا فشيئًا. إنَّ وقارك كمسلمة يُصان بالابتعاد عن مواطن الشبهات والرِّيَب، وحفظ القلب عن التعلق بغير ما أحلَّ الله.
هل يُعدُّ ذلك من باب الإحسان؟
يا أختي الكريمة، إن الإحسان للناس في الشرع مقيَّد بما أباحه الشرع. فالإحسان المطلوب والمباح يكون بإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ذلك ضمن الضوابط الشرعية وبما لا يُورث فتنة. أما أن نسمي فعلًا يؤدي إلى معصية أو يقود إليها، أو هو في ذاته معصية، فذلك عبث بدين الله، فليس من الإحسان أن أساعد شخصًا على معصية، ولا أن أريحه بطريقة تُغضب الله!
الحل العملي والإجراء المطلوب:
أختي الفاضلة، إن الأمر يتطلب منك اتخاذ قرار حاسم وفوري ينبع من إيمانك وحرصك على دينك، وأنصحك بالتالي:
1- الإبلاغ الحاسم والواضح: يجب إبلاغ هذا الرجل بكل وضوح أنك لا تستطيعين الاستمرار في هذا النوع من «المؤانسة» اليومية؛ لأنَّ ذلك يتعارض مع قناعاتك الدينية وخشيتك من الوقوع في الفتنة. استخدمي قولًا معروفًا كما أمر الله، ولا تُخضعي القول له، ولا تعلليه بإمكانية العودة مستقبلًا.
2- قطع التواصل غير الضروري: لم تذكري طبيعة أو سبب وجوده في حياتك، فقد قلت: «في محيطي»، فأيًّا كان هذا المحيط أو السبب الذي يجبرك على رؤيته أو التعامل معه، فيجب اقتصار أي تواصل معه على قدر الضرورة القصوى التي تقتضيها ظروف العمل أو الدراسة أو... أو... فقط، وبأسلوب رسمي ومختصر، دون الدخول في تفاصيل شخصية أو عاطفية على الإطلاق.
3- الاستعانة بالله والدعاء: أكثري من الدعاء والابتهال إلى الله أن يُثبِّتك ويُعينك على طاعته، وأن يحفظك من الفتن، وأن يصرف هذا الرجل عنك. قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2 و3]. فمن ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه.
وختامًا أيتها الأخت الفاضلة، اعلمي أن النبي ﷺ قال: «العينانِ تزنيانِ وزِناهُما النظرُ، والأُذنانِ تزنيانِ وزِناهُما السَّمعُ، واليَدانِ تَزنيانِ وزِناهُما البَطشُ، والرِّجلانِ تَزنيانِ وزِناهُما المَشيُ، والقَلبُ يَهوَى ويَتمَنَّى، ويُصَدِّقُ ذلك الفَرجُ أو يُكذِّبُهُ» [رواه مسلم]. فاحمي قلبك ونفسك، وتذكَّري أنَّ سعادتك الحقيقية تكمن في رضى ربك. وكم من علاقة بدأت بحجة «المؤانسة» و«مشاركة الهموم» وانتهت بخراب وفساد وضياع، عافاك الله من ذلك.
أسأل الله تعالى أن يحفظك في دينك ودنياك، وأن يرزقك العفاف والطهر، وأن يُعوضك خيرًا مما تركت له، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تطمئن إليه نفسك، وتقر به عينك، ويفرح به قلبك.
روابط ذات صلة:
زميلي المتزوج معجب بي.. ماذا أفعل؟
كيف تتصرف الفتاة مع زميل يتجاوز الحدود في التواصل الإلكتروني؟