الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الأخلاق والمعاملات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
94 - رقم الاستشارة : 3229
09/11/2025
أنا طالبة جامعية، وكل اللي حولي، من أهلي وأساتذتي، دايم يوجّهوني وينصحوني في كل شيء: في لبسي، كلامي، عبادتي، وحتى في تفاصيل يومي العادية.
أحس بـ ضيقة ونفَرَة من كثرة النصايح، وأحيانًا يجيني شعور بـ التمرد، بس بعدين ألوم نفسي وأوسوس:
هل نفوري هذا يعني "كبر" ورفض للحق؟ ولا هو رد فعل طبيعي على الأسلوب والضغط؟
كيف أقدر أفتح قلبي للنصيحة وأتقبلها صح، بدون ما أتضايق وأملّ؟
مرحبًا بك ابنتي الكريمة، وشكرًا جزيلًا لك على الثقة التي منحتِنا إياها، وأسأل الله العظيم أن يفتح على قلبك، وينير بصيرتك، ويجعلك من عباده الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وبعد...
فالشعور بالضيق والنفور من كثرة النصائح هو في الغالب رد فعل طبيعي على أسلوب أو كمِّ النصيحة، وليس بالضرورة كبْرًا ورفضًا للحق.
إن الكبر الحقيقي هو رفض الحق ذاته؛ كما وصفه النبي ﷺ: «الكبرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ» [رواه مسلم]. وبَطَرُ الحَقِّ يعني رفضه وعدم قبوله، وغَمْطُ النَّاسِ يعني احتقارهم. فهل أنتِ ترفضين الحق (الحكم الشرعي أو الخُلق الحسن)، أم تتضايقين من تواتر التوجيه وأسلوبه؟ غالبًا هو الثاني. فأنت تلومين نفسك، وهذا دليل على أن حياة قلبك، وحرصك على قبول الحق، وهذا أبعد ما يكون عن الكبر.
وإن كثرة التوجيه في تفاصيل يومك العادية، تُشعِر الإنسان وكأنه مُراقب دائمًا أو قاصر لا يستطيع اتخاذ قرار. وهذا الضغط المتواصل يمكن أن يولِّد مقاومة طبيعية وعاطفية، حتى لو كان محتوى التوجيه صحيحًا.
آداب النصيحة في الإسلام:
إن الإسلام وضع أسسًا للنصيحة تُجنِّب مستمعها هذا النفور، وأهمها:
- الستر والسرية: فالنصيحة على الملأ توبيخ وفضيحة، والنصيحة سرًّا محبة واهتمام، وقد ورد عن بعض السلف: «من وعظ أخاه سرًّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه».
- الرفق واللين: قال رسول ﷺ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» [رواه مسلم]. وعندما أرسل الله موسى وهارون -عليهما السلام- إلى أعتى الطغاة، فرعون، أمرهما باللين: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [سورة طه: 44]. فإذا كان هذا مع فرعون، فما بالنا بمن ينصح مؤمنًا؟!
كيف تفتحين قلبك للنصيحة وتتقبلينها؟
إن قبول النصيحة يتطلب جهدًا داخليًّا منك، ومما يعينك على هذا:
1- الفصل بين الناصح والنصيحة: عندما تأتيك النصيحة، ركِّزي على المحتوى، وحاولي أن تتجاوزي فورًا نبرة الصوت أو تكرار الكلام، وركزي عقلك وقلبك على ما قيل، وكأنك تقرئينها في كتاب. هل هي أمر بطاعة أو نهي عن معصية؟ هل هي توجيه لسلوك أفضل؟
2- اجعلي استماعك للنصيحة عبادة: فالله -تعالى- أمرنا بالتواصي بالحق، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر: 3]. والنبي ﷺ قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» فسُئل: لمن؟ فقال: «لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ» [رواه مسلم].
3- عبِّري عن مشاعرك بلطف: لا حرج في أن تُفصحي بلطف وحنان لمن يكثر من نصحك في «التفاصيل العادية»، بأنك سمعتِ النصيحة، وتعرفين ما تفعلين، وأنك بحاجة إلى بعض المساحة للتعلُّم والنمو الذاتي فيما هو ليس من أمور الحلال والحرام.
4- أحسني الظن بالناصحين: تذكَّري أنهم أهلك وأساتذتك، وأنهم يفعلون ذلك من باب الحب والحرص، لا من باب التعسف أو الإيذاء. هذا الظن الحسن يطفئ نار النفور في قلبك.
5- المبادرة لطلب النصيحة: أحد أفضل الطرق للتخلص من النفور، هو أن تبادري أنت لطلب النصيحة في الوقت والموضوع الذي تختارينه. هذا يمنحك شعورًا بالتحكم، ويجعل النصيحة حلًّا تطلبينه لا هجومًا تتعرضين له.
6- الدعاء بقبول الحق: ادعي الله دائمًا أن يرزقك قلبًا منيبًا، لا يردُّ الحق، قولي: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنك رَحْمَةً ۚ إِنَّك أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8]. وقولي: «اللهم أرني الحق حقًّا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلًا وارزقني اجتنابه».
وختامًا يا ابنتي، لا تحزني فأنت في فترة نمو جسماني وعقلي وفكري، ومرحلة الشباب تحتاج إلى جرعة كبيرة من الصبر والحكمة في التعامل مع توجيهات الكبار. تذكري أن الله يراقب قلبك قبل فعلك. وما دام قلبك يقبل الحق ويسعى إليه، فأنت على خير عظيم. والنفور العارض من الأسلوب لا يضرك؛ لكن انتبهي أن يطول أو يتحول إلى تمرد حقيقي على الحق.
اجعلي شعارك من الآن فصاعدًا: «أتقبل النصيحة ولو جاءتني بأسلوب قاسٍ؛ لأني أطلب مرضاة ربي سبحانه، وليس مرضاة البشر».
أسأل الله أن يرزقك الحكمة والسكينة، وأن يبارك في علمك ووقتك، ويجعل أيامك كلها توفيقًا وسدادًا.
روابط ذات صلة: