لماذا كثرت جرائم القتل؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : قضايا إنسانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 384
  • رقم الاستشارة : 2426
20/08/2025

لماذا كثر القتل في السنوات الأخيرة حيث لا يمر يوم بدون عشرات الجرائم من القتل، والقتل موجود في كل الطبقات والمستويات التعليمية.. فهل هناك تفسير؟

الإجابة 20/08/2025

 

سؤالكم ذو طبيعة مركبة معقدة، فهو يطرح الجدال حول الطبيعة الإنسانية، وهل الإنسان كائن له جانب حيواني غريزي يسيطر عليه ويدفعه إلى القتل حصولاً على الموارد، أو بتعبير أدق أن الصراع على البقاء يدفع الإنسان ليقتبس من الحيوان منهجية القتل ليستمر هو في الحياة.  

كما يطرح سؤالكم جانبًا آخر وهو تأثير الفلسفات المختلفة وبخاصة المادية التي باتت تسيطر على كثير من المجتمعات، في ظل تنامي الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية، والتي عمّقت الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وأنشأت الحسد والصراع والتهميش والفقر والأزمات النفسية والاجتماعية، والتي أدت إلى تراجع دور الأسرة في التنشئة، وانتشار العنف وبخاصة القتل.

 

كما يفتح سؤالكم بابًا للنقاش حول تأثير الرقمية والتكنولوجيا على تسهيل الوصول للضحايا وتسهيل ارتكاب الجرائم، ربما ساعدت التكنولوجيا في سرعة اكتشاف الجريمة، لكن الضحايا كانوا كثيرين.

في البداية تشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع نسب القتل عالميًّا، وأن أمريكا اللاتينية الأعلى في معدلات للقتل، وذكرت دراسة عالمية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حول جرائم القتل لعام 2023م، أن عدد ضحايا جرائم القتل بلغ حوالي (485) ألف جريمة قتل عام 2021م، وهو أكثر من خمسة أضعاف ضحايا النزاعات المسلحة التي شهدتها تلك الفترة.

 

وذكر التقرير أن دوافع القتل متنوعة، منها المرتبط بالجنس والجريمة المنظمة والفقر الأزمات الاجتماعية، وأن أكثر من نصف الجرائم تمت باستخدام أسلحة نارية، وأن الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات قتلت من الأشخاص أكثر مما قتل في النزاعات المسلحة في تلك الفترة، وذكرت أن كل واحدة منها قتلت ما يقرب من مائة ألف...

 

وذكرت تقارير للأمم المتحدة صدرت عام 2024م فيما يتعلق بجرائم قتل النساء الخاصة بعام 2023م، أن ذلك العام شهد مقتل أكثر من (51) ألف امرأة، بمعدل امراة كل عشر دقائق، وأن غالبية القتلة كانوا من عائلات المقتولات أو أزواجهن أو عشاقهن، وأن هؤلاء شكّلوا 60% من قتلة النساء.

 

ولكن لماذا كثر القتل؟

ناقش علم النفس دوافع القتل فأرجعها البعض إلى العواطف، وأن الكثير من سلوكياتنا ورثناها عن السابقين، وأن هؤلاء السابقين حافظوا على وجودهم وبقائهم بأساليب متعددة من بينها قتل منافسيهم، ومن ثم فنحن أمام طبيعة بشرية متوارثة، ربما زادت عوامل التنشئة من تفاقمها، خاصة مع تراجع دور الأسرة في التنشئة وزيادة الأسر التي يعولها شخص واحد، والتي تؤكد الدراسات الاجتماعية والخاصة بعلم الجريمة أن أفراد تلك الأسر هم الأكثر ارتكابًا للجرائم، ومن ثم التقت الطبيعة مع التنشئة في تلك النقطة فكان القتل وسيلة للبقاء، وإفرازًا اجتماعيًّا.

في كتابه "القاتل المجاور: لماذا صُمم العقل للقتل" يناقش عالم النفس الأمريكي "ديفيد م.بوس" دوافع القتل، فمن بين (400) ألف ملف لجرائم قتل في الولايات المتحدة، اختار (4) آلاف جريمة وقام بتحليلها، وأشار إلى أن غالبية القتلة أشخاص طبيعيون، وأن غالبيتهم بدا طبيعيًّا قبل ارتكاب الجريمة، ويذكر أن كتابه ليس كتابًا بالأساس عن السفاحين أو مرتكبي جرائم القتل الجماعي؛ لأنه في النهاية يتناول الكتاب قاتل جيرانه.

تشير الدلائل إلى أن أكثر القتلة هم رجال، كما أن غالبية ضحايا القتل من الرجال، وأن هناك كثيرًا من هؤلاء القتلة يرون أن القتل هو حل قابل للتطبيق في ظل احتدام المنافسة والصراع.

 

وتشير دراسات إلى أن التكنولوجيا والرقمية أثرت على زيادة جرائم القتل، غير أنها ساهمت في تغير أنماط ضحايا القتل وأصبح الوصول إلى بعض الضحايا يتم من خلال الموبايل والحاسوب ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

أما المادية فهناك من يرى أنها ساهمت في زيادة جرائم القتل خاصة عندما تقترن بعوامل اجتماعية ونفسية مثل المنافسة والإحباط والفقر؛ فالمجتمع الحديث ساهم في زيادة ما يسمى بالقاتل المتسلسل، أي الذين يرتكب أكثر من جريمة قتل، فمنذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي زاد هؤلاء القتلة ربما بسب التفاوتات الطبقية والأزمة الاقتصادية التي خلّفتها الرأسمالية في المجتمعات.

الرابط المختصر :