الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
15 - رقم الاستشارة : 3094
27/10/2025
تحية طيبة وبعد. أنا داعية متفرغ في مؤسسة دعوية، وألتقي ببعض الشباب من أصحاب الثقافة الواسعة، ولكنهم يميلون إلى "التعالم" والجدل المستمر في كل مسألة، ويطرحون شبهات تحتاج إلى ردود علمية عميقة، ولكنهم يرفضون التسليم بالنصوص الصريحة أحياناً بحجة العقل" أو "التجديد".
كيف أوازن بين تقديم المعلومة الشرعية الصحيحة، وبين عدم الانجرار إلى جدل عقيم يضيع الوقت ولا يؤدي إلى هداية؟ ما هي الطريقة المثلى لضبط حواراتهم وإفادتهم دون أن يخرجوا بنتيجة أنهم "انتصروا" في النقاش؟
أهلاً وسهلاً بك أيها الداعية الفاضل، ونقدر لك جهودك الكبيرة في ميدان الدعوة، خاصة مع هذه الفئة التي تحتاج إلى خطاب خاص!
إن التعامل مع المدعو "المتحاور المتعالم" هو فن بحد ذاته، يتطلب مزيجًا من العلم الشرعي الرصين والذكاء الحواري والتربوي. هذه الفئة تتميز بالبحث عن "الإقناع العقلي" قبل "الإذعان الإيماني"، وهذا يتطلب نقل الحوار من مجرد "جدل" إلى "بناء معرفي".
الدليل الشرعي لضبط الحوار
قال تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. و"الأحسن" ليس فقط في الأسلوب اللغوي، بل في المنهجية الحوارية التي توصل للحق. وأمرنا الله بترك الجدال العقيمة: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46]. الجدال ينبغي أن يكون لغاية وليس لغلبة.
المنهجية العملية للتعامل مع المتعالم
1. تحديد نقطة الانطلاق المتفق عليها (الأرضية المشتركة): قبل البدء في أي نقاش، يجب الاتفاق على مرجعية التحاكم. اسألهم: ما هو المرجع الذي سنعود إليه لحل الخلاف؟ إذا قالوا العقل، قل: العقل السليم لا يعارض النص الصحيح الثابت. إذا قالوا النص، قل: إذا سلمنا بمرجعية النص، فهل نقبل دلالته الواضحة؟ هذا يضبط النقاش ويمنعهم من القفز من موضوع لآخر.
2. تحويل النقاش من فرعيات إلى أصول (المحور العقدي): غالب شبهات المتعالمين تدور حول الفروع (المرأة، الحدود، التجديد). يجب تحويل النقاش بذكاء إلى الأصول الكبرى: الإيمان بالوحي، صدق الرسالة، عصمة القرآن، ومصدر التشريع. متى ما ثبت لديهم الأصل، سهُل عليهم قبول الفرع.
3. استخدام "منهج الأسئلة": بدل أن تهاجم رأيه مباشرة، اطرح أسئلة استدلالية تجعله يصل للنتيجة بنفسه. مثال: "ما هو المصدر المعرفي الذي تعتمد عليه في حكمك؟ هل هذا المصدر قطعي الثبوت؟ هل هو قطعي الدلالة؟" هذا الأسلوب يجعله يفكر بعمق بدل أن يجادل بعاطفة.
4. الاعتراف بنقاط الاتفاق وتقديرها: ابدأ حديثك بالقول: "أحسنت في هذه النقطة، هذا دليل على سعة اطلاعك، ولكن...". هذا يشبع رغبته في التقدير ويفتح قلبه لقبول ما تبقى من النصح.
5. تحديد وقت ونهاية للحوار: إذا شعرت أن الحوار سيتحول إلى "جدل عقيم" أو "مراء"، اعتذر بلباقة وأجل النقاش: "هذه نقطة مهمة تحتاج إلى بحث أعمق، دعنا نعد إليها الأسبوع القادم بعد أن أراجع بعض المراجع، ولننتقل الآن إلى...".
أيها الداعية المحنك، استعن بالله ولا تعجز. تذكر أن الغاية ليست إفحامهم، بل هدايتهم. أكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب أن ينير الله بصائرهم ويزيل ما فيها من شبهات. واعلم أن إخلاصك في الدعوة هو السلاح الأقوى. فربما كسبت قلبًا مخلصًا خادمًا للإسلام بسبب حكمتك في الحوار.
أسأل الله أن يفتح على يديك قلوبًا وعقولاً، وأن يجعلك منارات هدى تضيء دروب الحائرين، وأن يرزقك القبول والتوفيق في عملك. آمين.
روابط ذات صلة: