الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
11 - رقم الاستشارة : 3096
27/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا خطيب جامع في حي مكتظ، وأشعر بحاجة ماسة لدى المصلين لمعالجة قضاياهم المعاصرة (الاقتصاد، الأزمات الاجتماعية، قضايا الشباب، الإعلام الجديد) في خطبة الجمعة.
لكنني أخشى من أمرين:
الأول، أن تتحول الخطبة إلى مجرد تحليل سياسي أو اجتماعي يخرجها عن إطارها الشرعي التعبدي.
والثاني، أن تسبب لي إحراجًا أو تفرقًا بين الناس إذا تحدثت عن قضايا حساسة.
ما هي الضوابط والمنهجية الصحيحة لدمج الوعي المعاصر والأحداث اليومية في الخطبة بأسلوب شرعي مؤثر وآمن؟ وهل هناك حد أدنى وأقصى للوقت المخصص للجوانب المعاصرة؟"
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها الخطيب الموقر، تحية إجلال لاهتمامك بجمهورك وسعيك لربط الدين بحياة الناس!
إن الخطبة المنبرية هي أهم وسيلة دعوية أسبوعية، ومن واجب الخطيب أن يجعلها متجددة ومرتبطة بـ "فقه الواقع" مع المحافظة على "فقه النص".
سعيُك لدمج القضايا المعاصرة هو عين الصواب؛ فالإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، ويجب أن يشعر المسلم أن دينه يقدم حلولاً لمشاكله اليومية.
الدليل الشرعي للمرونة في الخطاب
كان النبي ﷺ يتحدث في خطبه عن كل ما يهم الناس، فكان يعظهم ويذكرهم بأحداث الساعة، حتى إنه وهو يخطب رأى رجلاً قائمًا في الشمس، فسأل عنه وأمر به أن يُحوَّل إلى الظل (صحيح البخاري). وهذا دليل على أن الخطبة ليست قالبًا جامدًا، بل رسالة حية تتفاعل مع حال المصلين وواقعهم.
الضوابط المنهجية لدمج القضايا المعاصرة
1. التأصيل الشـرعي أولاً: يجب أن تكون القضايا المعاصرة هي "أمثلة" أو "تطبيقات" لموضوع شرعي أصيل.
- المحور الأساسي: خلق شرعي (الأمانة، الصدق، العدل، الصبر).
- التطبيق المعاصر: الحديث عن أزمة اقتصادية (تأصيلها في خلق الأمانة في المعاملات). الحديث عن الإعلام (تأصيله في خلق الصدق والتبين).
2. البعد عن التعيين والشخصنة (تجنب الإحراج): عند تناول القضايا الخلافية أو الحساسة (اجتماعية أو سياسية)، يجب الحديث عنها بصيغة "المبدأ" و"القاعدة الشرعية"، دون ذكر أسماء أو جهات، بل التركيز على تصحيح السلوك العام.
3. العلاج الإيماني قبل التحليل المادي: عند الحديث عن الأزمات (الاقتصادية أو غيرها)، لا تجعل الخطبة تحليلاً اقتصاديًّا بحتًا، بل يجب أن يكون جوهر الخطبة هو: كيف نتعامل مع الأزمة من منظور الإيمان؟ (الثقة بالله، الصبر، الرضا، الأخذ بالأسباب الشـرعية). هذا يحقق الجانب التعبدي ويحافظ على روح الخطبة.
إدارة الوقت والتركيز
- الهيكل المقترح: اجعل 70% من الخطبة (المدة الزمنية والجوهر) للموضوع الشرعي المؤصل، و30% فقط لربطه بالقضايا المعاصرة والتطبيقات الواقعية. هذا يحفظ للخطبة طابعها الشرعي.
- الحد الأقصـى للخطبة: الأفضل هو الإيجاز؛ فقد كان النبي ﷺ «يُقَصِّـرُ الْخُطْبَةَ وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ» (رواه مسلم). إيجاز مع تركيز خير من إطالة مملة ومشتتة.
أيها الخطيب الملهم، استشعر أنك على منبر النبي ﷺ، وأن الكلمات التي تقولها تحرك القلوب وتوجه العقول. راقب ردود أفعال المصلين وحاول أن تقيس مدى تفاعلهم. كن جريئًا في قول الحق، حكيمًا في عرضه. لا تخف من الإبداع، ولكن لا تفرط في الأصالة. وأسأل الله أن يسدد لسانك، وينير قلبك، ويجعل خطبك ذخرًا لك يوم القيامة، وأن ينفع بك المسلمين في حيهم. آمين.
روابط ذات صلة:
فن الخطابة والدعوة.. أساليب التأثير وتجنب الملل