الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : مناهج الدعوة ووسائلها
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
38 - رقم الاستشارة : 3075
26/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا شاب ملتزم، لي صديق مقرب جدًا، لكنه غارق في متابعة المحرمات وتارك للصلاة بشكل شبه كلي. كلما حاولت نصحه، يبدي تضجرًا أو يقول: 'ابدأ بنفسك' أو 'أنا أعلم أني مقصر'.
أشعر بحيرة كبيرة؛ فلو ضغطت عليه خشيت أن ينفر مني كليًا، ولو تساهلت معه استمر في غيه. ما هو المنهج الأمثل الذي أتبعه معه؟ هل أركز على ترغيبه في الصلاة أولًا، أم على ترهيبه من الشهوات، أم أعتمد أسلوب الصداقة فقط والتأثير بالقدوة؟ أرشدوني جزاكم الله خيرًا".
أهلاً بك أيها الشاب المبارك، وسررت بتواصلك وحرصك على هداية صديقك، فما أعظمها من منزلة أن تكون مفتاحًا للخير له! إن قضية التدرج في الدعوة هي من أهم أسس المنهج النبوي، خاصة مع من غلبت عليه الشهوات وضعفت نفسه أمام فريضة كبرى كالصلاة. لا شك أن حال صديقك يحتاج إلى حكمة بالغة وعلم بمراتب الدعوة.
الدليل الشرعي والمنهج النبوي
قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. هذه الآية هي أساس المنهج، وتبدأ بـ "الحكمة". والحكمة هنا تعني وضع الدواء المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب.
والنبي ﷺ لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ» (متفق عليه). هذا الحديث يدل على التدرج في الدعوة إلى الأركان، لكن في حالة صديقك الذي يعيش في بيئة مسلمة، قد يكون التركيز على تصحيح العقيدة المتعلقة بعبادة الله وحقوقه هو المدخل.
التطبيق العملي المقترح
1. التركيز على القدوة الحسنة واستدامة الود: لا تقطع صلتك به، بل اجعل صداقتك له سببًا لبقائه قريبًا من البيئة الصالحة. أنت تؤثر عليه بسلوكك قبل كلامك.
2. استراتيجية "المدخل القلبي" (تزكية النفس): الأفضل أن تبدأ معه بما يلين القلب ويصلح العلاقة مع الخالق بعيدًا عن الضغط المباشر على الصلاة أو الشهوات في البداية. يمكنك:
- التذكير بعظمة الله ورحمته، وليس مجرد العقاب.
- الحديث عن معاني الأسماء الحسنى والصفات (الرحمن، الودود، التواب، الرقيب).
- مشاركة مقاطع مؤثرة عن التوبة والرجوع إلى الله.
3. ربط القلب بالصلاة بخطوات بسيطة: بعد أن تفتح مدخلاً قلبيًّا، ابدأ بدعوته بلطف: "دعنا نصل معًا صلاة واحدة اليوم، ولننظر كيف سيكون شعورك بعدها." ابدأ بالجمعة، ثم صلاة واحدة يوميًّا، وهكذا. لا تجعله يشعر أنك تنتقده، بل أنك تأخذ بيده إلى النور.
4. معالجة "صارف الشهوات" بالترغيب: لا تهاجم الشهوات مباشرة، بل ركز على البديل الحلال والأنفع. املأ وقته بما هو ممتع ومباح (رياضة، هوايات، جلسات علمية خفيفة)، وذكره بأن لذة القرب من الله والسكينة لا تعادلها لذة عابرة.
التعامل مع الاعتراضات ("ابدأ بنفسك")
هذا القول دليل على أنه يعلم تقصيره. أجب عليه بالقول: "صحيح، كلنا مقصرون، وأنا أسعى لأن أكون خيرًا، ولكن تقصيري لا يمنعني من محبة الخير لك وخوفي عليك. أنا لست نبيًّا، لكني أخوك وأتمنى لك الخير الذي أتمناه لنفسي". هذا النوايا الحسنة تكسر حاجز الدفاع لديه.
ونصيحتي لك أيها الأخ الكريم، اعلم أن الهداية بيد الله، وأنت مجرد سبب، فما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب وتلح بالدعاء له في جوف الليل. استمر في الدعاء له بظهر الغيب، واطلب من الله أن يلين قلبه ويزيل الغشاوة عن بصيرته. لا تيأس أبداً، فربما كانت كلمة منك في ساعة صفاء سبباً في تغيير حياته بالكامل. أخلص النية واصبر، فالدعوة صبر ومصابرة، وليست مجرد إلقاء نصيحة.
أسأل الله أن يجعلك سببًا في هدايته، وأن يثيبك على جهدك وحرصك خير الجزاء، وأن يجمعكما في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في جنته. آمين.
روابط ذات صلة:
لا أدري ما الذي يمنعني من الصلاة؟ أغيثوني