الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقه الأسرة
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
1 - رقم الاستشارة : 2777
24/09/2025
انتشرت مقاطع فتوى كثيرة لنساء تطلب الطلاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطلب من زوجها الطلاق بإصرار وإلحاح إلى حد تتهمه في رجولته فما حكم ذلك شرعا، وماذا تفعل المرأة إذا وقع عليها الظلم؟
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذا من المصائب التي ابتليت به الأمة الإسلامية، وسواء أكانت هذه المقاطع حقيقة فعلاً وهذا احتمال وارد وإن كان ضعيفًا، أو مقاطع تتم بالاتفاق بين الرجل وزوجته من أجل الإثارة وتحقيق أعلى مشاهدات من أجل الحصول على المال وإن كان حرامًا، ففي كلا الاحتمالين يدل على مستوى الانحطاط الأخلاقي التي وصل إليها المجتمع.
صحيح أن الفقر يتبعه سلسلة غير متناهية من الأخلاق السلبية، لكن هذه الأشياء كانت غريبة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، وصدق عمر الفاروق رضي الله عنه عندما كان يوصي أمراءه فيقول ولا تجيعوا الناس فتكفروهم.
إنكار قيم المجتمع
وليس شرطًا أن يكفر المسلم بخروجه وردته عن الإسلام كلية، ولكن بإنكاره قيم المجتمع الراسخة، والستر في العلاقات الزوجية والسعي بحلها عن طريق التفاهم بين الزوجين أولاً، فإن عجزا تدخلت الأسر، أسرة الزوجين، فإن عجزوا يتدخل المجتمع أو القضاء العادل للبحث والفصل.
وقد أرشدنا المجتمع إلى أفضل الطرق وأيسرها لحل النزاعات والخلافات بين الزوجين، حيث يقول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 34- 35].
الأسرة عزيزة على الإسلام
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في الظلال:
وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار - الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة - فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام؛ بقدر خطورتها في بناء المجتمع، وفي إمداده باللبنات الجديدة، اللازمة لنموه ورقيه وامتداده.
إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة -عند خوف الشقاق- فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلًا.. ببعث حكم من أهلها ترتضيه، وحكم من أهله يرتضيه. يجتمعان في هدوء. بعيدين عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين. طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة، وتعقد الأمور، وتبدو -لقربها من نفسي الزوجين- كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما. حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين. مشفقين على الأطفال الصغار. بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر -كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف- راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار.
وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين؛ لأنهما من أهلهما: لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار. إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها!
يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح. فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين، يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق )إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما) فهما يريدان الإصلاح، والله يستجيب لهما ويوفق، وهذه هي الصلة بين قلوب الناس وسعيهم، ومشيئة الله وقدره.
إن قدر الله هو الذي يحقق ما يقع في حياة الناس، لكن الناس يملكون أن يتجهوا وأن يحاولوا؛ وبقدر الله -بعد ذلك- يكون ما يكون. ويكون عن علم بالسرائر وعن خبرة بالصوالح: إن الله كان عليمًا خبيرًا. وهكذا نرى -في هذا الدرس- مدى الجدية والخطورة في نظرة الإسلام إلى المرأة وعلاقات الجنسين ومؤسسة الأسرة، وما يتصل بها من الروابط الاجتماعية.. ونرى مدى اهتمام المنهج الإسلامي بتنظيم هذا الجانب الخطير من الحياة الإنسانية. ونطلع على نماذج من الجهد الذي بذله هذا المنهج العظيم، وهو يأخذ بيد الجماعة المسلمة -التي التقطها من سفح الجاهلية- في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة على هدى الله. الذي لا هدى سواه.
والله تعالى أعلى وأعلم.
روابط ذات صلة:
نية الطلاق من الزوج وكتابة هذه النية هل تعتبر طلاقا؟