الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
337 - رقم الاستشارة : 2480
24/08/2025
فقدت مشاعري تجاه زوجي متقلب المزاج، ماذا أفعل أنا حياتي بها مشاكل كحال أغلب الأسر، ولكن الآن أنا في حالة صعبة جدا بسب آخر نقاش لي مع زوجي طفشت ومليت منه ومن أسلوبه وعدم تفهمه لي.
في كل مره يكون لطيف بمزاجه وعصبي بمزاجه يعني لا أضمنه، أخاف منه دائما لأني لا أضمنه ودائما لا أصدقه ولا أحس بالأمان والراحة معه أبدًا، والآن لست في وضع يسمح لي أن أعطيه حقوقه الزوجية لأني تعبانة ومنهارة نفسيا جدًّا وبيننا أطفال.
ما الحل؟ ماذا أفعل؟ رغم أنه هو يحاول جاهدا يصلح الوضع بيينا بس أنا كأني انعدمت الإحساس وصخرة في قلبي لا أشعر بأي شيء ولا فارق معي أي شيء ولا أملك شغف.
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. أنت تكتبين عزيزتي تحت وطأة المشكلة الأخيرة مع زوجك، ومن المعلوم أن الإنسان في لحظات الغضب يرى المشكلة بصورة ضخمة هائلة وبأكبر من حجمها الحقيقي بمرات عديدة.. وفي لحظات الغضب ننسى كل الأمور الطيبة الحلوة أو تتضاءل حتى تكاد تتلاشى ويكون كل التركيز على السلبيات المتضخمة، بحيث نكون إما في حالة غضب عنيفة نوشك على الاحتراق أو نفقد الشغف ونركن لليأس من الإصلاح ونتعامل ببرود وتجاهل هو انعكاس لما نشعر به من برود داخلي وفتور، وهو وضع لا يقل خطورة عن الانفعال الغاضب بحال من الأحوال.
الإحساس بالأمان
أصعب ما في مشكلتك هو شعورك بعدم الأمان الناتج من تكرار سلوكه المتقلب معك دون أن تفهمي السبب في هذه التقلبات، والأمان جزء أساسي لا تستقيم الحياة الزوجية بدونه، بل إن غياب الأمان هو الذي يشعرك بعدم الراحة في حياتك الزوجية.. أنت بحاجة ماسة لفهم ما يحدث معه؛ فالإنسان الطبيعي لديه مساحة من المزاجية ولا يوجد إنسان ثابت المزاج طول الوقت، وفي الحديث (إن للشَّيطانِ للمَّةً بابنِ آدمَ، ولِلمَلك لَمَّةٌ، فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكْذيبٌ بالحقِّ، وأمَّا لمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ. فمَن وجدَ ذلِكَ فليعلم أنَّهُ منَ اللَّهِ، فليحمَدِ اللَّهَ، ومن وجدَ الأخرى فليتعوَّذ منَ الشَّيطانِ).
أختي الكريمة، يقينًا جربت أن تستيقظي يوما وأنت تشعرين بانشراح الصدر والهدوء والطاقة العالية الإيجابية، وتستيقظي أحيانًا أخرى تشعرين بضيق الصدر والتوتر وانخفاض الطاقة بل والرغبة في الانعزال أو ربما العصبية والرغبة في الشجار!
أسباب عديدة تقف وراء هذه التغيرات المزاجية، مثلاً التعرض للضغوط فترة طويلة من الوقت.. مشكلات في العمل.. بعض المشكلات المالية.. المرض أو مرض أحد المقربين.. ولكن هناك تغيرات مزاجية أخرى لا تصنف بأنها طبيعية.
طبيعي أم مضطرب
كثيرة هي التفاصيل الصغيرة التي تؤثر في الحالة المزاجية للإنسان، لكن من المهم أن تفرقي بين التغير المزاجي عندما يكون في حدوده الطبيعية وبين التغير المزاجي المرضي، فبعض الأمراض النفسية يكون من مظاهرها هذا التباين المزاجي الحاد كمرض الاضطراب ثنائي القطب (عند إصابة شخص بالاكتئاب، قد يشعر بالحزن أو اليأس ويفقد الاهتمام أو المتعة في المشاركة في معظم الأنشطة. وعند تحول حالته المزاجية إلى الهوس أو الهوس الخفيف، قد يشعر بالإثارة والسعادة الشديدة [النشوة]، أو الامتلاء بالطاقة أو سرعة الغضب على نحو غير معتاد. من الممكن أن تؤثر هذه التقلبات المزاجية في النوم والطاقة والنشاط والحكم على الأمور والسلوك والقدرة على التفكير بوضوح.
ربما تحدث نوبات من التقلبات المزاجية بين الاكتئاب والهوس بصورة نادرة أو عدة مرات في العام. وعادةً ما تستمر هذه النوبات عدة أيام. بين النوبات، ينعم بعض الأشخاص بفترات طويلة من الاستقرار العاطفي. وقد يصاب آخرون بتقلبات مزاجية متكررة بين الاكتئاب والهوس أو بالاكتئاب والهوس في الوقت نفسه)*.
أيضًا هناك اضطراب الشخصية الحدية حيث تحدث تقلبات مزاجية حادة وأيضًا نوبات غضب غير مبررة، ولكنْ هناك أعراض أكثر جوهرية تمثل هذا الاضطراب، فمن ذلك:
- الخوف الشديد من الهجر. يتضمن ذلك التصرف بشكل يتجاوز حد الاعتدال خوفًا من التعرض للانفصال أو الرفض، حتى إذا كان ذلك الخوف مختلقًا.
- نمط غير مستقر من العلاقات العاطفية، كالاقتناع بأن شخصًا ما مثالي وفي اللحظة التالية الاقتناع بأنه شخص مهمل أو قاسٍ.
- التغيرات السريعة في الطريقة التي يرى بها الإنسان نفسه.. يتضمن ذلك تغيير الأهداف والقيم، بالإضافة إلى رؤية الإنسان نفسه بصورة سيئة.
- فقدان الاتصال مع الواقع بسبب الإجهاد. قد تستمر هذه الفترات من بضع دقائق إلى بضع ساعات.
- التصرفات الطائشة والمندفعة، كالمقامرة، أو القيادة بتهور، أو الإسراف، أو تناول الطعام بشراهة أو إساءة استخدام الأدوية، أو الاستقالة من وظيفة جيدة أو السعي لإنهاء علاقة ناجحة.
- التهديد بالانتحار أو أذية النفس، غالبًا نتيجة الخوف من الفراق أو الرفض.
- التقلبات المزاجية الكبيرة التي تستمر من بضع ساعات إلى بضعة أيام. من الممكن أن تنطوي هذه التقلبات المزاجية على فترات من سرعة الانفعال أو الشعور بالسعادة أو القلق أو العار بشكل بالغ.
- الشعور الدائم بالخواء.
- الغضب الشديد غير المقبول، مثل فقدان الأعصاب في أغلب الأحيان أو السخرية أو التهكم أو المشاجرة الجسدية**.
أدعوك أختي الكريمة أن تُقيِّمي ما يمر به زوجك بصورة أولية وبطريقة موضوعية نزيهة، فهل هو أقرب للإنسان الطبيعي أم أنك تشعرين أنه يعاني من اضطراب نفسي ما، ولا بد من تدخل الطبيب أو المعالج النفسي.
ما العمل؟
أختي الكريمة، إذا كانت إجابتك أن زوجك شخص طبيعي للغاية لا تظهر عليه أعراض أخرى أكثر من مزاجيته الشديدة، فهنا عليك أن تتكلمي معه في أوقات هدوئه حتى تضمني أن يصغي إليك.. أريده حوارًا ثريًّا تضعين فيه يدك على أسباب غضبه المفاجئ أو الإشارات التي تدل أنه على وشك نوبة غضب جديدة وتسألينه عن توقعاته منك أثناء هذه النوبات الغاضبة وتشرحين له مشاعرك، وكيف أن تكرار هذه النوبات أفقدك الشعور بالراحة والأمان معه وأوصلك لحافة النفور، وثقي أن الحوار الذي يُدار بذكاء هو أكبر بوابة للحل..
وفي هذا السياق أريد أن أخبرك أن رفضك له وامتناعك عنه يزيد الأمور اشتعالاً بينكما ولا يساعد أبدًا في حلحلة الأمور، أنا أعلم أنك فاقدة للشغف.. أشعر بالبرودة التي تسللت لقلبك تجاهه، ولكن لا أريد أن ينفرد القلب بتحديد صورة حياتك المستقبلية، لا بد من إشراك العقل معه.. والعقل يقول إن الرجل يسعى للصلح جاهدًا وأن لديك أطفالا لا ترغبين في أن تربيهم منفردة ولا أنت قادرة على ترك حضانتهم للأب.. العقل يقول إن الوقت قد آن للحوار طالما هو يسعى للصلح بكل الطرق فلا بد أن يقدم تفسيرًا لما يحدث وخطة لتجنب تكرار نفس السيناريو.
أما إن قال لك إنه غير قادر على السيطرة على نفسه، وإنه يعاني من هذه السلوكيات ويشعر أنه مضطر ليسلكها فيكون الوقت مناسبًا تمامًا لطلب زيارة الطبيب أو المعالج النفسي، وواجبك وقتها أن تشجعيه على العلاج، فالمرض النفسي مرض كبقية الأمراض وليس وصمة ولا يعني الجنون بحال، وكل إنسان معرض أن يصيبه المرض النفسي في بعض الأوقات.. واجبك أختي الكريمة أن تدعميه في مشواره العلاجي، سواء كان علاجًا دوائيًّا وجلسات أو جلسات فقط فهذا سيعود بالنفع عليه وعليك وعلى الأولاد.
وأخيرًا، أريد أن أهمس في أذنك أختي الغالية: تذكري أن المشاعر مرنة متقلبة وأن طريقة التفكير التي ننتهجها توجه هذه المشاعر، فإن كنت تشعرين أن مشاعرك نحوه في هذه اللحظة تشبه الصخر فهذه المشاعر قد تتغير وهذا الصخر قد يتفتت إذا أمعنت في رغبته الجادة في الإصلاح أو أدركت أنه ربما يعاني نفسيًّا وبحاجة للدعم، وإذا تذكرت أنه ليس زوجك فقط بل هو والد أطفالك كذلك، لذلك يستحق الفرصة ويستحق الدعم..
التقارب الحسي هو الآخر قد يساعدك في تفتيت هذا الصخر، فالعلاقة جدلية في الأمر، فأنت غاضبة لذلك لا ترغبين في التقارب، وعدم التقارب يعزز مشاعر الغضب، ونحن نريد كسر هذه الدائرة لمصلحتك أنت أولاً؛ لأنك تعيشين على صفيح ساخن رغم البرودة التي تستشعرينها في قلبك.
الأمر الثاني: أكثري من ذكر الله ومن الصلاة ومن قراءة سورة البقرة حتى تشع البركة في بيتك وتملأ نفسك السكينة، وأنت في أمس الحاجة للبركة والسكينة.
الأمر الثالث: حافظي على حدودك النفسية، فليس معنى أن أطلب منك أن تدعميه نفسيًّا أو أن تتقاربي معه أن يهينك أو يظلمك أو يجرحك.. امنعيه عن ذلك دون أن تعتدي أنت على حدوده.. سددي وقاربي واستعيني بالله.. أسعد الله قلبك وأصلح زوجك وبارك حياتك، وتابعيني بأخبارك.
------------------------------------------------
* نقلاً عن موقع مايو كلينك.
** السابق بتصرف يسير.