زوجي داعية.. ولكنه متزوج من "الدعوة"

Consultation Image

الإستشارة 22/10/2025

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ، أكتب إليكم وأنا في حيرة كبيرة وشيء من الحزن. زوجي -ولله الحمد- شاب صالح وداعية معروف، ومحبوب بين الناس. بيتنا مليء بالكتب والأشرطة والمحاضرات، وحياته كلها تدور حول خدمة الدين والدعوة، وهذا أمر أسعد به وأفتخر.

لكن مشكلتي أنه يبالغ جدًا في انشغاله عني وعن أولادنا. أغلب وقته خارج المنزل في ترتيب نشاطات الدعوة، أو في سفر، أو إذا كان بالمنزل فهو مُنكبٌّ على التحضير والاطلاع، حتى إذا حاولت التحدث معه في شأن خاص أو أسري، يتهرب بلطف ويقول لي بصـريح العبارة: "سامحيني، أنا متزوج من الدعوة، فلا تشغليني كثيرًا" أو "أنتِ وأولادي ستأخذون أجر صبري على انشغالي في سبيل الله".

أشعر بالوحدة والإهمال، وأخشى أن يؤثر هذا الانشغال على تربية الأبناء عاطفياً وسلوكياً، فهم يحتاجون إلى وجوده. كيف أتعامل معه؟ وكيف أُذكّره بحقوقي وحقوق البيت دون أن أُشعره أنني أُعيقه عن رسالته العظيمة؟ أرشدوني مأجورين

الإجابة 22/10/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة الصابرة، وأسأل الله العظيم أن يجبر خاطرك ويُثبِّت زوجك على الحق، وأن يجعل جهده في ميزان حسناتكما. إن شعورك بالغُبن هو شعور إنساني مشروع، وهو دليل حرصك على صلاح أسرتك وتوازنها. وكونكِ زوجة لداعية فهذا شرف، لكنه لا يعني التضحية بحقوقك الأساسية التي أقرَّها الشرع.

 

إن زوجك الكريم يملك نية صالحة وجهدًا مباركًا، ولكن قد يختلط عليه الأمر أحيانًا في باب الأولويات، وهنا يكمن التوجيه الشرعي والواقعي.

 

التوازن بين الدعوة وحقوق الأهل

 

1. خير الناس لأهله: إن الدعوة الحقة تبدأ بالبيت قبل الناس، والداعية الناجح هو الذي يجمع بين نفع الأمة والقيام بحق أهله. هذا هو الميزان النبوي، فقد قال رسول الله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وهذا الحديث قاعدة ذهبية تُثبت أن الخيرية المطلقة تبدأ من داخل البيت، وليس الانشغال عنهم هو برهان الخير.

 

2. للنفس والأهل حقوق: حتى في العبادات العظيمة، كان التوجيه النبوي نحو التوازن، فكيف بالدعوة التي هي وسيلة وليست هدفاً بذاتها؟ نذكّر زوجك بحديث سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنهما، حين قال له: "إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حق حقه"، فأتى النبي ﷺ فذكر له ذلك، فقال النبي ﷺ: "صدق سلمان" (رواه البخاري). زوجك له حق، وأولادك لهم حق عظيم، والنفس تحتاج إلى راحة واجتماع، وإهمال هذه الحقوق يُورث خللاً لا يرضاه الله.

 

3. البيت هو القاعدة الانطلاقية: البيت المستقر هو معسكر الداعية الآمن، فإذا اهتزت أركان هذا البيت بسبب الإهمال العاطفي أو التربوي، أثَّر ذلك سلبًا على قدرة الداعية على العطاء، بل قد تُصبح أسرته هي أول مجال للفتنة أو الانحراف بسبب غيابه.

 

التوجيه العملي لكيفية التعامل

 

1. الحوار الهادئ البعيد عن العتاب: فاجلسـي معه في وقت يكون فيه مرتاحًا وهادئًا (بعيدًا عن وقت التحضير). استخدمي أسلوب التشجيع والثناء على دعوته، ثم قولي له: "أنا فخورة بك وبما تقدمه للإسلام، ولكن أخشى على أولادك من هذا الفقد العاطفي، وأنت قدوتهم الأولى. نحن جزء من دعوتك، وصلاحنا واستقرارنا هو نجاح لك قبل أن يكون لنا". تجنبي الاتهام وركزي على الاحتياج.

 

2. تحديد وقت مقدّس للأسرة: اقترحي عليه تحديد وقت أسبوعي ثابت ومقدس لا يمكن التنازل عنه إلا للضـرورة القصوى (يوم، أو ساعتين يومياً). هذا الوقت يكون "مُخصصًا للأسرة" فقط، بدون هواتف أو تحضير. هذا يُعيد الترابط العاطفي ويُشبع احتياج الأبناء للوجود الأبوي.

 

3. إدماج الأسرة في الدعوة بشكل متوازن: اشرحي له أنكِ وأولادكِ لستما "عقبة" في طريق دعوته، بل يمكن أن تكونا "رافدًا" لها. اطلبي منه أن يُشرككِ معه في بعض المهام التي لا تُعطّل حياتك (مثل ترتيب مكتبته، أو تجهيز حقيبته للسفر، أو مشاركتك له في نشاط دعوي نسائي). هذا يُشعركِ بالتقدير والشراكة.

 

وختاما أنصحك أختي الكريمة:

 

أن تُقدِّري جهد زوجكِ وتصبري على بعض الانشغال الذي لا بد منه، ولكن لا تتنازلي عن حق أولادكِ وحقكِ في التواصل العاطفي والتربوي. استعيني بالدعاء أن يُلهم الله زوجكِ الحكمة في ترتيب أولوياته، واعلمي أن صبركِ هذا هو بحد ذاته جهاد عظيم تُؤجرين عليه.

 

وأسأل الله أن يُبارك في زوجكِ ودعوته، وأن يجعله قرة عين لكِ ولأبنائه، وأن يُنير بصيرته ليرى أن العدل في العطاء بين الواجبات هو أعلى مراتب الإخلاص.

 

روابط ذات صلة:

التحدي بين العمل الدعوي والالتزامات الشخصية

الداعية بين منبر الدعوة وحضن الأسرة

كيف أُوفِّق بين بيتي وعملي ودعوتي؟

كيف أوازن بين الدعوة للناس وداخل بيتي؟

الرابط المختصر :