حماتي تتنمر عليَّ أنا وأبنائي.. كيف أتصرف؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 298
  • رقم الاستشارة : 2222
29/07/2025

أنا أم سودانية الأصل، تزوجت منذ 18 عامًا من رجل مصري محترم من إحدى محافظات وجه بحري، وهو يحبني جدًا ويقدّرني، ولم أشعر منه بأي تفرقة أو عنصرية. لكن منذ زواجنا، وأنا أواجه تنمّرًا دائمًا من والدته وإخوته بسبب لون بشرتي السمراء، حيث إنهم جميعًا من ذوي البشرة البيضاء. كانوا يرمونني بكلمات سلبية وألقاب تؤذيني، لكني كنت أتحمل حفاظًا على بيتي.

الآن، المشكلة أصبحت تمسّ أبنائي، خاصة ابنتي الكبرى (16 سنة)، فهي فتاة ذكية ومجتهدة، لكنها منذ فترة بدأت تتغير نفسيًا، لا تحب شكلها، ترفض النظر إلى المرآة، وتقول إنها تتمنى لو لم تكن سمراء، وتبكي كثيرًا لأنها تشعر أن جدتها تخجل منها أو تكرهها. وأصبحت تكره الذهاب إليهم، وبدأت تعزف عن مشاركتهم أي مناسبة.

زوجي في حيرة من أمره، فهو يحب ابنته جدًا، لكنه لا يريد الصدام مع والدته، ويطلب مني الصبر حتى لا تتعقد الأمور أكثر. لكني خائفة على ابنتي جدًا، وأشعر أن هناك جرحًا عميقًا يتكون في نفسها، وأنا كذلك متألمة لأنني السبب في هذا كله من وجهة نظرها.

فبماذا تنصحيني دكتورة؟

كيف أساعد ابنتي لتتجاوز أزمتها النفسية؟ وهل أطلب من زوجي أن يواجه أمه؟ وهل يمكن للون البشرة أن يحطم ثقة فتاة بنفسها إلى هذا الحد؟

الإجابة 29/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يا أختي العزيزة..

 

أحيّي فيكِ صبرك وثباتك على ما تواجهينه من ضغوط نفسية واجتماعية، كما أقدّر قلقك على صحة ابنتك النفسية وحرصك على كرامتها وكرامة الأسرة.

 

وما تمرّين به ليس بالأمر الهين، لكنه أيضًا ليس بلا مخرج بإذن الله ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾.

 

أولًا: أتفهّم مشاعركِ حبيبتى فهي مشروعة؛ حيث إن ما تعرضتِ له –أنتِ وابنتكِ– هو نوع من العنصرية الأسرية الخفية أو ما يسمى بـ: Familial Colorism، وهو نوع من التمييز داخل الأسرة الواحدة بناءً على اللون أو الصفات الجسدية، وهو يندرج تحت Microaggressions ، أي: الإساءات الدقيقة المتكررة التي قد تبدو بسيطة، لكنها تترك أثرًا عميقًا متراكمًا، خاصة عند الأطفال والمراهقين.

 

ثانيًا: كذلك فإن ابنتك في عمر 16 سنة، وهي فترة المراهقة المتوسطة، وتُعدّ من أكثر المراحل حساسية تجاه الانتماء والقبول الاجتماعي، وخصوصًا داخل الأسرة الكبيرة. حيث تتكون فيها مفاهيم الهوية الشخصية والجمالية، ويُصبح الرأي الخارجي -وخاصة من الأقارب- ذا أثر بالغ على تقدير الذات.

 

وما تعانيه الآن هو ما يُعرف في علم النفس بـ "تشوّه صورة الجسد" أوBody Image Distortion، وقد ينتج ذلك عن تعليقات سلبية متكررة، مما يؤدي مع الأسف، إلى حالة من (الانسحاب الاجتماعي)، وربما تتفاقم لتصل إلى أعراض اكتئابية، إذا لم نُسعفها نفسيًّا وتربويًّا.

 

ثالثًا: كيف نواجه هذا الألم:

 

1- لا بد من احتواء عاطفي فوري لابنتك..

 

اقتربي منها وطمئنيها بأن جمالها لا يُقاس بدرجة لون البشرة، بل بروحها، أخلاقها، علمها، ودينها. احضنيها كثيرًا، فالاحتواء الجسدي مهم في إعادة الأمان العاطفي.

 

2- ادعميها وغذيها نفسيًّا..

 

اجلسي معها يوميًا لدقائق، واطلبي منها أن تكرر عبارات مثل" "أنا جميلة كما خلقني ربي، أنا لست كما يقول الآخرون، أنا أُقدّر نفسي وأحبها"، ثم امدحي صفاتها الحقيقية (ذكاؤها، أخلاقها، خفة ظلها، اجتهادها)....

 

3- اغرسي في قلبها أن الله خلق الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وأن التفاضل لا يكون باللون ولا الشكل، بل بالتقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾. وذكّريها أن النبي ﷺ قال لبلال –وكان أسود البشرة-: "إني لأسمع خشخشة نعليك في الجنة"، وكرّمه الله بأن جعله أوّل مؤذن في الإسلام.

 

4- اطلبي من زوجك أن يتحدث مع والدته حديثًا هادئًا غير اتهامي، بل حديث توعية، يوضح لها أثر كلماتها على حفيدتها، دون أن يُشعرها بأنها موضع لوم مباشر. وليكن ذلك في وقت صفاء، فربما هي تفعل ذلك عن جهل لا عن قصد.

 

5- احرصي على عدم إجبار ابنتك على الاختلاط المؤلم نفسيًّا..

 

وذلك حتى تهدأ نفسها، فلا تُجبريها على زيارة من يؤذيها نفسيًّا؛ فـالسلامة النفسية مقدّمة على المجاملة الاجتماعية، وحتى في الشريعة، قال ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار".

 

6- ربما تحتاج ابنتك إلى جلسات دعم نفسي تربوي (Psychoeducational Support) على يد مختصة تُساعدها على تجاوز "الصدمة النفسية الطفولية" (Childhood Emotional Wound)  التي تعرضت لها. وهذا أمر مهم، وخاصة إن لاحظتِ تراجعًا في تحصيلها الدراسي أو سلوكها العام.

 

رابعًا: لا تجعلي الأمر ميراثًا ممتدًا

 

احرصي على ألا تتحول هذه الأزمة إلى قناعة راسخة عند ابنتك، فتُورّثها مستقبلًا لأولادها. بل اجعلي منها مصدر قوة، وذكّريها دومًا أن الله اصطفى من كل لون وشكل عظماء، والعبرة بما تقدّمه هي في حياتها.

 

وأكدي لها أن الملامح ولون البشرة ليس مقياسًا لمحبة الناس أو زواج الفتاة، والدليل أن والدك أحبني وتزوجني رغم بشرتي السمراء وبشرته الشقراء.

 

أختي الحبيبة، ما حدث مع ابنتك هو جرح، لكنه ليس جرحًا دائمًا إن تمت معالجته بسرعة وحكمة ووعي، بل قد يُنتج منه شخصية قوية مُحبّة لذاتها ولغيرها، واعية بأقدار الناس لا بمظاهرهم، وهو ما يسمى في علم النفس بـ: Post-Traumatic Growth  أي "النمو بعد الصدمة".

 

* همسة أخيرة لقلب أختي:

 

اصبري واحتسبي، وثقي أن من ربّاها على الحب والثقة واليقين، لن يُسلمها لجراح الناس، بل سيجبرها ويرفعها بإذنه.

 

رزقكِ الله سكينةً في بيتكِ، وطمأنينةً في قلب ابنتكِ، وهدىً في قلوب من حولكم.

الرابط المختصر :