كيف أصلح ما أفسدته أرملة أخي تربويًّا ونفسيًّا؟!

مرحبًا بك أخي الكريم، وأهلًا وسهلًا بك وبكل أشقائنا في الحبيبة الجزائر، على بوابة استشارات مجلة المجتمع، سعدت كثيرًا بمتابعتك وثقتك الغالية في مشاركتي همّك الإنساني النبيل، وحقًّا لمست في رسالتك قلبًا رحيمًا وعقلًا راشدًا، يَغار على العائلة ويَحمل همّ الإصلاح في زمنٍ قلّ فيه من يسعى إليه.

 

فقدُ الأخ أمر جلل، وهو امتحان للقلوب المخلصة، وأنت اليوم تؤدي جزءًا من الوفاء لروح أخيك رحمه الله، بمحاولتك رعاية بناته وتوجيههن نحو الخير والصواب، وهذا من صِلة الرحم التي عظّمها الشرع، قال رسول الله ﷺ: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه".

 

التوازن بين الإصلاح والاحترام

 

لكن اسمح لي أولًا أن أنبّهك إلى أمر بالغ الأهمية، وهو التوازن بين الإصلاح والاحترام. فقد تكون نيتك صافية جدًّا، لكن الأسلوب المتبع قد يُحدث حساسية بينك وبين أرملة أخيك، إن لم يُدار بحكمة ورفق، خصوصًا أن الأم تعيش صراعًا داخليًّا منذ فقد زوجها، وتحمل أعباء التربية وحدها وسط ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة، قد تظهر على شكل عصبية أو قسوة لفظية.

 

ثلاث دوائر

 

في ضوء علم النفس التربوي، ما يحدث داخل البيت يُشير إلى اختلال في ثلاث دوائر أساسية:

 

1- دائرة الانضباط (Discipline):

 

الأم فقدت السيطرة الانفعالية؛ ما جعلها تستخدم أسلوب العقاب اللفظي بدل الحوار البنّاء، وهذا يولّد مقاومة (Resistance) داخل البنات بدل الطاعة.

 

2- دائرة الدعم العاطفي (Emotional Support):

 

البنات في مرحلة المراهقة (14 و17 سنة)، وهي مرحلة حساسة تتطلب احتواءً ومشاركة وجدانية، لا سيما بعد فقد الأب، فهن يحتجن إلى أمان نفسي أكثر من أوامر صارمة.

 

3- دائرة التوجيه الأخلاقي (Moral Guidance):

 

يبدو أن هناك فراغًا تربويًّا جعل البنات يبحثن عن نموذج بديل خارج البيت؛ ما يفسر السلوكيات غير المقبولة وتراجع الأداء الدراسي.

 

كيف تتصرف بحكمة دون صدام؟

 

أولًا: اقترب من البنات بلُطف العم الحنون، لا الناصح الآمر. تحدّث معهن على فترات قصيرة، بأسلوب يحفّز تفكيرهن لا يوجّههن مباشرة، كأن تقول مثلًا: "تخَيّلي لو كان والدك معنا، كان أكيد يفرح يشوفكِ متفوّقة ومؤدّبة قدّ الدنيا". هذه الجمل تنبّه الضمير وتوقظ الجانب العاطفي دون فرض.

 

ثانيًا: اكسب ثقة الأم قبل أن تُصلح، اجعلها تشعر أنك سند لا خصم. امدحها أمام البنات، وذكّرها بلطف بأنك تحترم جهدها، ثم اقترح المساعدة في متابعة الدراسة أو الترفيه البنّاء للبنات، وكأنك تشاركها المسؤولية لا تسحبها منها.

 

ثالثًا: ساعد في بناء بيئة تربوية داعمة، عبر إشراك البنات في نشاطات أسرية أو تطوعية أو دينية تُشعرهن بالانتماء والهوية؛ فالمراهق بحاجة لأن يعيش معنى "أنا مهمّ"، لا أن يسمع فقط "أنا مخطئ".

 

رابعًا: كن قدوة في السلوك، فالقدوة الصامتة أبلغ من عشرين موعظة. دَع البنات يرين فيك الأخلاق الرفيعة، لينسحب ذلك تدريجيًّا على سلوكهن.

 

خامسًا: إن استمر الوضع النفسي للأم في التدهور أو ازدادت حدة التوتر المنزلي، فأنصح بلُطف بإشراك مستشارة أسرية أو داعمة نفسية محلية تتابع مع الأم جلسات توازن انفعالي، فهذا لا يُعدّ ضعفًا بل خطوة ذكية نحو إصلاح أكبر.

 

* وهمسة أخيرة:

 

تذكّر يا أخي الكريم أن الإصلاح يحتاج إلى صبر طويل ورفق بالغ، وأن البنات في أعينك أمانة وفي ميزان أخيك صدقة جارية. قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.

 

فأحسن الظن بالله، وازرع الحب قبل التوجيه، وسترى أثر ذلك بإذن الله في قلوب البنات وسلوكهن.

 

روابط ذات صلة:

عناد البنات مع الأمهات.. أزمة كل بيت!!!

مرضت من شجار بناتي وغياب زوجي.. ما الحل؟!