Consultation Image

الإستشارة 21/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحد الأصدقاء المقربين، وهو جار لي وقريب من العائلة، أصبح يعاني من قلق شديد، ووساوس مستمرة حول أمور غريبة تحدث في حياته، كتعطل بعض أموره، أو وقوعه في مشكلات متكررة، أو حتى شعوره بأعراض جسدية ونفسية غير مبررة.

بدأ هذا القريب يربط كل ما يحدث له بالسحر، وأعمال الشعوذة، ويعيش في حالة من الخوف والتوجس، حتى أصبحت هذه الوساوس تؤرق حياته، وتؤثر على أسرته، وتجعله في دوامة من الشك والقلق.

حاولت نصحه وتهدئته، لكنه مُصر على أن هناك من يتعمد إيذاءه بالسحر، وأصبح يلجأ إلى من يُسمَّون بـ ”الرُّقاة” دون تمييز بين الراقي الشرعي وغيره، وأحيانًا يسأل عن طرق لفك السحر قد لا تكون شرعية.

فأعينوني -رحمكم الله- كيف يمكنني التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة؟ وكيف يمكنني مساعدته على التخلص من هذه الوساوس، والعودة إلى التوكل على الله، مع بيان الموقف الشَّـرعي من نسبة كل مشكلة إلى السحر؟ أرجو التوجيه وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة 21/04/2025

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

 

أخي الكريم، بارك الله فيك على حرصك على نصح قريبك وجارك، فهذه من أعظم القربات، خاصة في مثل هذه المسائل التي تمس العقيدة، والاستقرار النفسي والاجتماعي للإنسان.

 

وهناك بعض الحقائق أوجزها لك هنا مع الجواب، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: حقيقة السِّحر بين الشرع والواقع:

 

السحر حق ثابت في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾، وممارسته من كبائر الذنوب، وقد تؤثر بعض أنواعه -بإذن الله- ابتلاءً وامتحانًا، كما وقع للنبي ﷺ لكنه لم يؤثّر على عقيدته ولا على تبليغه للرسالة، كما في الصحيحين.

 

لكن يجب التفريق بين السحر الحقيقي الذي له علامات واضحة، ويتم علاجه بالرقية الشَّـرعية، وبين الأوهام والوساوس التي يجعلها الشيطان مدخلًا للقلق والخوف؛ ليبعد الإنسان عن التوكل على الله، وليشغله عن العبادة والطاعة.

 

ثانيًا: خطأ نسبة كل مشكلة إلى السِّحْر

 

ليس كل تأخّر في الرزق، أو تعطّل في الزواج، أو مرض، سببه السحر، بل الأصل أن هذه أمور طبيعية تحدث للناس جميعًا، والمؤمن مأمور بالصبر، والتوكل على الله، والأخذ بالأسباب.

 

يقول النبي ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل".

 

واعلم بأنّ من الأخطاء الشائعة نسبة كل مشكلة إلى السحر، وحدوث ذلك يفتح على الإنسان أبواب الوساوس، وتجعله يعيش في توتر دائم، وقد تؤدي به إلى التعامل مع المشعوذين والدجالين، وهو أمر محرم، قال النبي ﷺ: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا".

 

ثالثًا: كيفية التعامل مع هذا القريب ونصحه بالحكمة:

 

1) طمأنته بأن الأمر بيد الله وحده، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾.

 

2) تشجيعه على تقوية صلته بالله، من خلال المحافظة على الصلاة، والرقية الشـرعية، والأذكار اليومية، وخاصة آية الكرسي، والمعوذتين، وسورة البقرة، فقد قال النبي ﷺ: "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة"، أي: السحرة.

 

3) إقناعه بضـرورة التفكير بعقلانية، وأن الحياة مليئة بالابتلاءات، ولا ينبغي أن يكون أول تفسير لأي مشكلة هو السحر، بل يجب البحث عن الأسباب الواقعية، والسعي لحلها.

 

4) تحذيره من الذهاب إلى السحرة والمشعوذين؛ فهم لا يزيدون الإنسان إلا شكًّا وخوفًا، وربما يوقعونه في الشرك أو الحرام.

 

5) دعوته للثقة في الله والتوكل عليه حق التوكل، مع الأخذ بالأسباب الشـرعية، كالرقية الصحيحة، واستشارة الأطباء إن كان هناك أعراض صحية، والتعامل مع الأمور بروح إيجابية.

 

6) دعوته للانشغال بالعبادة والعمل الذاتي والعمل العام؛ فكلما اشتغل الإنسان بالطاعة والنافع من الأمور، قلّ انشغاله بهذه الوساوس.

 

رابعًا: ماذا لو كان هناك سحر حقيقي؟

 

إذا وُجدت قرائن قوية على وجود السحر، فالعلاج يكون بالرقية الشـرعية فقط، وليس بالذهاب إلى المشعوذين، وقد قال النبي ﷺ: "اجعلوا من رقيتكم: الفاتحة، والمعوذتين".

 

وأخيرًا، تذكير له بكلمات تطمئن قلبه:

 

* الله هو الحافظ، وهو الكافي، وهو القوي العزيز.

 

* لا سلطان للسحر ولا لغيره إلا بإذن الله، وهو الذي يرفع البلاء.

 

* الوساوس: أخطر على الإنسان من السحر؛ لأنها تجعله في قلق دائم، بينما المؤمن الحق مطمئن بذكر الله.

 

ونسأل الله أن يرزقنا وإياه اليقين، وحسن التوكل، وأن يصـرف عنه وعنك وعنّا معكم كل شر، ويرزقنا جميعًا الراحة والطمأنينة. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الرابط المختصر :