الفرق بين جواسيس غزة ومنافقي المدينة

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : السياسة الشرعية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 261
  • رقم الاستشارة : 2963
16/10/2025

هل هناك فرق بين الجواسيس في غزة والمنافقين في المدينة، وهل يعامل الجاسوس بمثل ماى يعامل به المنافق ؟

الإجابة 16/10/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فثمة فروق بين النفاق وبين الجاسوسية، فالنفاق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر. المنافق يعيش بين المسلمين، يصلي معهم، وقد يشاركهم في شؤونهم العامة، لكن قلبه ينكر الإيمان ويكيد للإسلام والمسلمين.

 

والجاسوسية هي نقل أخبار وأسرار المسلمين إلى أعدائهم؛ ما يعرض أمنهم ومصالحهم للخطر. قد يكون الجاسوس مسلمًا أو كافرًا أو منافقًا.

 

والمنافق أشد من الكافر في حكم الآخرة، فهو في الدرك الأسفل من النار، والجاسوس أشد حكمًا في الدنيا فحكمه القتل تعزيرًا إذا رأى إمام المسلمين أو من يقوم مقامه بعد التثبت، والتحري حتى لا يظلم أحد.

 

والذي يحدث في غزة وغيرها من عمالة بعض الناس والتعاون مع العدو الغاصب جريمة مادية وليست جريمة قلبية، وحكم المنافق أن يعامل معاملة المسلم ما دام لم يرتكب جرمًا ماديًّا يؤذي المسلمين، وحكم الجاسوس القتل تعزيرًا.

 

يقول الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – في فتوى مشابهة:

 

جرت سنة الله في خلقه أن يكون في كل شعب خونة يبيعون آخرتهم بدنياهم ويبيعون أمتهم بأعدائهم، حتى في عهد الرسول ﷺ كان هناك منافقون {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (البقرة: 16(.

 

والخونة في كل أمة مبغوضون من قومهم، ملعونون عندهم، عندما ينكشف أمرهم، ويفضح سترهم، فقلما ينجون من نقمة الشعوب إذا عرفتهم، وحتى من أفلت منهم من العقاب الشعبي لسبب وآخر، فقد يتجه الناس إلى قبره ليرجموه أو ينبشوه بعد موته تنفيسًا وانتقامًا.

 

وأبرز مثال على ذلك: أبو رغال العربي الذي خان قومه، وعاون جيش أبرهة، الجيش الذي جاء لهدم الكعبة، ودلّه على طريق مكة، فإن عرب الجاهلية عرفوا ذلك فرجموا قبره بالحجارة، إظهارًا للسخط عليه.

 

ولقد اجتهد الكيان الصهيوني منذ زمن طويل لتجنيد عدد غير قليل من أبناء فلسطين، ليعملوا لحسابه، وتنفيذ خططه، واستخدم في ذلك كل وسائل الإغراء والترغيب، وغسيل المخ، وبذرهم في وسط أقوامهم، ليقوموا بدورهم الخائن، فيتجسسوا على أهليهم لحساب عدوهم، ويدلوهم على مواطن رجال المقاومة، من حماس والجهاد، وكتائب الأقصى، وغيرهم من رجال الفصائل المناضلة، فإنما تم ذلك بمساعدة هؤلاء الخونة، الذين يعاونون أعداء أمتهم على الإثم والعدوان.

 

حكم هؤلاء حكم اليهود

 

هؤلاء حكمهم حكم اليهود المحتلين؛ لأن ولاءهم لهم، وعونهم لهم، والله تعالى يقول {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51)، بل الحق أني أرى هؤلاء شرًّا من اليهود الغزاة المعتدين، فإن اليهودي عدو واضح معروف، وهذا عدو من جلدتنا، ويتكلم بلساننا، فهو من المنافقين الذين قال الله عنهم {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء: 145).

 

فالمنافق شر من الكافر ولا شك، فعبد الله بن أُبي شر من أبي جهل؛ لأن أبا جهل صرّح بكفره فيحذر منه، أما ابن أُبي ومن سار في ركبه، فهم الذين ينخرون في عظام المجتمع، ويهدمونه من داخله.

 

ومن المقرر أن المنافق إذا استتر بنفاقه، وعمل أعمال المسلمين الظاهرة، عومل معاملة المسلمين، ووكل أمر سريرته إلى الله، وفقًا لقاعدة: أمرنا أن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. فإذا ظهر منه ما يؤذي المسلمين أُخذ به، وعوقب العقوبة الرادعة، كما في قوله تعالى {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} (الأحزاب: 60-61).

 

القتل عقوبة

 

وقد قرر الفقهاء: أن عقوبة الجاسوس القتل، ولا سيما من يتجسس لعدوه على قومه. وحينما أرسل حاطب بن أبي بلتعة في فتح مكة رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بمقدم الجيش المحمدي، واعتذر الرجل بكلام يدل على حسن نيته، وأنه لا يريد الضرر بالمسلمين، قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنقه فقد نافق! فقال ﷺ: "وما يدريكم أن الله تعالى اطلع على أهل برد فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم".

 

وقد استنبط العلماء من قصة حاطب - كما قال ابن القيم - جواز قتل الجاسوس، وإن كان مسلمًا لأن عمر طلب قتل حاطب، وأجابه الرسول بأن ثمة مانعًا في قتله، وهو شهوده بدرًا، وفي هذا الجواب تنبيه على مشروعية قتل الجاسوس إذا لم يكن عنده مثل هذا المانع، وهذا مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يقتل ولكن يعزر.

وقال سحنون من المالكية: إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب (أي لم تطلب منه التوبة كما تطلب من المرتد).

 

وقال ابن القاسم: يقتل، ولا يعرف لهذا توبة، وهو كالزنديق.

 

وقال غيرهما من أصحاب مالك: يجلد جلدًا وجيعًا، ويطال حبسه، وينفى من موضع يقرب من الكفار.

 

الإمام هو من يقتله

 

وقال ابن القيم: والصحيح أن قتله راجع إلى الإمام، إن رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه. والله أعلم.

 

ورأيي: أن هذا أيضًا يرجع إلى مدى جريمة الجاسوس، ومقدار توغله في خدمة الأعداء ومساندتهم، وماذا ترتب على ذلك من مضار، كأن سهل قتل مسلم أو نحو ذلك.

 

ويجب أن يرد ذلك إلى محكمة مسلمة تنظر في جرائمهم، وتقيم حكمها على أساس البينات، لا على مجرد الدعاوى أو الشبهات، فمن أعان الأعداء على أهله وقومه، ودل على عوراتهم، حتى ترتب على ذلك سفك دم حرام: وجب أن يقتل لا محالة، لأنه شر من قُطّاع الطريق الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا.

 

ومن لم يبلغ هذه الدرجة عوقب بما يناسبه إذا ثبت عليه. وينبغي التشديد في الإثبات حتى لا يعاقب أحد بغير حق.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

مردوا على النفاق

النفاق هو الأخطر

صالح الجعفراوي.. شهيد الحقيقة برصاص الخيانة

دور المنافقين في المعارك التي خاضها الرسول ﷺ

 

الرابط المختصر :