Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 64
  • رقم الاستشارة : 1791
29/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا أم مكلومة، لطفل يبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، ولكني – والله – أكتب إليك وأنا أبكي، أشعر أنني فقدت السيطرة عليه تمامًا، ولم أعد أعرف كيف أتعامل معه.

ابني عدواني جدًّا، يُؤذي الآخرين بلا سبب واضح، سواء في المدرسة أو الشارع، حتى في البيت لا يسلم إخوته من أذاه. لا يُراعي مشاعر أحد، وكأنه يستمتع بإلحاق الأذى، أحيانًا يتعمد كسر الأشياء، أو تخريب ما حوله، سواء كانت أشياءنا الخاصة أو ممتلكات عامة. وقد بلغ به الأمر أن قام مؤخرًا بثَقب إطار سيارة أحد الجيران بلا سبب!

في المدرسة، تكثر الشكاوى منه، يُعاقَب ثم يعود لنفس السلوك، ولا يبدي أي ندم، بل يبرر أفعاله دائمًا بأن الآخرين هم من بدأوا، أو أن الأمر "مزاح".

لقد استخدمت كل الطرق: العقاب، الحرمان، التهديد، وحتى الإقناع والاحتواء، لكن دون جدوى! أحيانًا أظنه لا يشعر بشيء، وكأنه منغلق على نفسه من الداخل، لا يتأثر، ولا يتعلم.

أخشى أن يكون مصيره السقوط في الانحراف، وأشعر أنني فقدت ابني، بل فقدت الثقة في قدرتي على تربيته.

هل تأخرت؟ هل هناك أمل في تقويمه؟ أرجوكِ دكتورة دلّيني كيف أُعيده إلى جادة الصواب؟

الإجابة 29/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

الأم المكلومة، بل المحبة، الصادقة، المجاهدة...

 

أشعر بكلماتك تختنق بالدموع، وبقلبك يتألم من الحيرة والعجز، لكن اطمئني؛ فمجرد وعيك بالمشكلة، وطلبك للمشورة، هو أول طريق الإصلاح إن شاء الله تعالى.

 

واعلمي يقينًا، كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾؛ فجهادك هذا في تربية ولدك، هو في ميزان حسناتك، وهو عبادة وقُربة.

 

دعيني أولًا أُطمئنك:

 

طفلك ما زال في مرحلة التشكيل العصبي والسلوكي، أي أنه في سن المراهقة المبكرة (Early Adolescence)، حيث يحدث تغير هائل في الدماغ، خاصة في المناطق المرتبطة بالتحكم في الانفعالات والسلوك، ما يجعل الأبناء أحيانًا أكثر ميلًا للاندفاع، والتخريب، والتمرد.

 

لكن حين يكون هذا السلوك مؤذيًا للغير، وللمرافق، ومستمرًا بلا شعور بالذنب أو الندم، فنحن أمام مؤشرات تستدعي تقييمًا تربويًّا ونفسيًّا دقيقًا، ربما يتضمن ما يسمى بـConduct Disorder Traits أو سمات اضطراب السلوك.

 

وهذا لا يعني بالضرورة مرضًا، بل يعني أننا بحاجة إلى خطة إصلاح مبكرة وعاجلة، تُركّز على تعديل السلوك، وإعادة بناء القيم والضمير الأخلاقي.

 

ولذلك سوف أقدم لكِ - بعون الله - خارطة طريق، تمزج بين العقل والعاطفة، بين العلم والدين، بين الحزم والرحمة:

 

أولًا: أعيدي بناء العلاقة العاطفية معه

 

في كثير من الحالات التي يظهر فيها السلوك المؤذي، يكون الطفل في أعماقه يصرخ طلبًا للاهتمام، ولو بأكثر الطرق سلبية.

 

اعملي على إعادة الاتصال العاطفي معه، عبر ما يُعرف بـEmotional Reconnection، من خلال جلسات فردية هادئة، تُظهرين فيها حبك له دون شرط، وتستمعين إليه دون حكم.

 

تذكّري قول الحبيب ﷺ: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، فابدئي بالرفق، وبه تملكين مفاتيح قلب ابنك.

 

ثانيًا: استخدمي برامج تعديل السلوك السلوكي الإيجابي

 

اتبعي أسلوب Positive Behavior Support (PBS)، والذي يعتمد على تعزيز السلوك الإيجابي، بدلًا من الاقتصار على العقاب.

 

ضعي له جدول نقاط، تُسجَّل فيه أفعاله الجيدة، ومكافآت متدرجة، واجعليه يرى أثر أفعاله يومًا بيوم. وتذكّري أن العقاب العشوائي يرسّخ العدوان، بينما التوجيه المنظم يزرع الندم، ثم التغيير بأمر الله.

 

ثالثًا: أيضا علّميه الندم، لا الخوف

 

من المهم أن نُنمّي لديه شعور التعاطف، وأن نساعده على فهم أثر أفعاله على الآخرين.

 

اجعليه يرى نتائج أفعاله –إن أمكن– وشاركيه في تعويض من أذاهم، واغرسي فيه قيمة الاعتذار؛ فالاعتذار ليس ضعفًا، بل بداية القوة.

 

وقد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.

 

فالضبط الحقيقي نابع من الداخل، من رقابة القلب لله، لا من هيبة العقاب فقط.

 

رابعًا: قدّمي له نموذجًا يحتذيه

 

فاحرصي على أن يرى فيك وفي والده مثالًا في ضبط النفس، والتعبير الحضاري عن الغضب، والرفق بالمرافق والأشخاص؛ فالأبناء لا يسمعون أقوالنا كما يرون أفعالنا، وهذا ما يُعرف بـ"Modeling Behavior"، وهو من أقوى أدوات التربية المؤثرة.

 

خامسًا: استعيني بخبير تربوي أو إرشادي سلوكي

 

في مثل هذه الحالات، لا ضير من التعاون مع مختص في، ليكون هناك تدخل مهني في ضبط السلوك، والتدرج في تقويمه. ولا تنتظري حتى يكبر الخطأ، فالتدخل المبكر هو مفتاح النجاح.

 

* همسة أخيرة لأختي الحبيبة:

 

أوصيك بألا تغفلي الدعاء، فإن القلوب بين أصابع الرحمن، يهديها متى شاء.. ادعي الله بأن يهديه ويصنعه على عينه.

 

وادعي كما دعا الصالحون: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾.

 

أسأل الله أن يُقرّ عينك بصلاح ابنك، وأن يريك فيه ما يسرّ قلبك، وأن يجعلك سببًا في هدايته، ويكتب لكِ الأجر مضاعفًا على صبرك وجهادك في تربيته.

الرابط المختصر :