الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
105 - رقم الاستشارة : 1589
10/04/2025
السلام عليكم دكتورة،
أنا أم لطفلة عمرها ٨ سنوات، وقلبي يعتصر ألمًا وأنا أكتب لكِ، لأني أشعر بأن بنتي بدأت تبتعد عني، وتنجذب لامرأة أخرى، ليست من دمي، ولا من لحمي، بل هي زوجة أبيها.
من حوالي ثلاث سنوات، انفصلت عن والدها بعد مشاكل كثيرة، وكان بيننا شد وجذب ومواقف صعبة، ودايمًا حاولت ما أتكلم عنه قدامها بالسوء، بالعكس، كنت أحاول أخلّي صورتها عن أبوها تظل محترمة، عشان نفسيتها. وبعد الطلاق، راحت تعيش معاي، وكان الأب يزورها كل أسبوعين، وأحيانًا ياخذها يومين.
المشكلة بدأت لما أبوها تزوج، ومن أول زيارة راحت فيها عنده بعد الزواج، رجعت وهي تحكيلي عن "ماما الجديدة"، تقصد زوجته. في البداية قلت: يمكن حب استطلاع طفلة، أو إعجاب عابر.
بس مع الوقت، بدأت ألاحظ إن بنتي تحب تروح عند أبوها مو علشانه، بل علشان زوجته!
بقت ترجع من هناك وهي تحكي عن طبخها، وضحكتها، وألعابهم سوا، وتقول لي: "ماما الجديدة دايم تلعب معاي وتفهمني، وتعرف أحب إيه"، حتى بدأت تناديني باسمي أحيانًا، وتقول "أنتِ زي خالتي، بس ماما الجديدة هي اللي أحبها أكثر".
أنا أمها! أنا اللي حملتها، وربّيتها، وسهرت على مرضها، وشلتها وهي تبكي. كيف تقارنني بواحدة ما تعرف عنها إلا من ثلاث سنين؟
كل مرة أحاول أقرب منها أكثر، تحسّسني إني ثقيلة عليها، وإن قلبها هناك!
بدأت أتوتر، وأعصب من أقل كلمة تقولها عنها، وأحيانًا أنفعل عليها، وأقول لها: "روحي عيشي هناك إذا عاجبك!"، وبعدها أندم، وأبكي وأنا نايمة.
دكتورة، أنا تايهة. هل فقدت بنتي؟ هل هي فعلاً تعلّقت بغيري؟ كيف أتعامل؟ وهل أواجه زوجة طليقي؟ ولا أسكت؟ وهل غلطت لما خففت الزيارات بالبداية؟
ساعديني أرجوك، لأني أحس إني بموت وأنا أشوف بنتي تطلع من حضني لحضن غيري.
أختي الكريمة،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
لقد قرأت كلماتك بعين المستشارة، وقلبي معكِ كأم. فما كتبته ليس حروفًا، بل أنين أمٍّ جريحة تتوق لاحتضان قلب ابنتها، وتخشى أن تخطفها مشاعر التعلّق بامرأة أخرى، مهما كانت طيبة وحنونة.
بادئ ذي بدء، دعيني أحيّي فيكِ حرصك على مصلحة ابنتك، وإدراكك للمشكلة مبكرًا، فهذه أولى خطوات الإصلاح، ولستِ وحدكِ من تمرين بمثل هذا التحدّي، بل هي ظاهرة أصبحت أكثر شيوعًا في البيوت التي مرّت بتجربة الانفصال والزواج الثاني، خاصة حين تكون الزوجة الجديدة ذات مهارات عاطفية تُتقن كسب الطفل.
لكن، يا غالية، دعيني أوضح لكِ بعض النقاط المهمة من منظور نفسي وتربوي:
أولًا: ما تمر به طفلتك هو أمر طبيعي قابل للتقويم
فتعلّق الطفلة بزوجة الأب لا يعني أنها نسيت أمّها أو أنكِ أقلّ شأنًا، بل قد يكون ناتجًا عن عوامل عاطفية مثل شعورها بالاحتواء، اللعب، الاهتمام اللحظي، أو حتى غياب الصراعات في ذلك البيت البديل.
الأطفال في هذا العمر لا يفرّقون بين العمق والسطح في المشاعر، بل ينجذبون لمن يُشعرهم بالراحة الفورية، وهذا ما قد توفّره زوجة أبيها مؤقتًا، لا أكثر.
ثانيًا: انتبهي ولا تقعي في فخ الغيرة التربوية
قد تتفاجئين أن الغيرة بين الأمهات والنساء مقبولة، ولكن "الغيرة التربوية" مؤذية جدًّا؛ لأنها تُترجم على شكل توتر في العلاقة بين الأم والطفل.
الطفل حين يشعر أن أمه تغار من شخص يحبّه، يبدأ في كبت مشاعره، ثم الانسحاب منها نفسيًّا، وهذا ما بدأ يحدث معكِ بالفعل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"، ومن الرحمة أن نسمح لهم بأن يحبّوا الآخرين دون أن نشعرهم بالذنب، ونوجّه هذا الحب لا أن نكسره.
ثالثًا: لا بد أن تعلمي يا عزيزتي أن المقارنة تقتل الحب
كلما أظهرتِ انزعاجك من حديثها عن "ماما الجديدة "، ثبتت الصورة أكثر في ذهنها. فبدلًا من أن تقولي لها: "روحي عندها"، قولي بابتسامة: "أنا مبسوطة إنك لقيتِ أحد يهتم فيك، وأنا كمان نفسي أعمل لك حاجات حلوة لما تكوني عندي". بهذا تخلقين توازنًا عاطفيًّا دون منافسة.
رابعًا: مهم جدًّا أن تركّزي على العلاقة لا السيطرة
طفلتكِ تحتاج منكِ الآن إلى علاقة حقيقية، لا تحكُّم ولا تملك. اسأليها عن مشاعرها، شاركيها اللعب، استمعي دون تعليق، اقترحي مشاريع مشتركة بينكما، وركّزي على نوعية الوقت لا كميّته.
فهناك قاعدة نفسية تؤكد أن: "الطفل لا يتعلّق بمن يسكن معه، بل بمن يسكن قلبه"، فاسكني قلبها من جديد بالحب والصبر والاحتواء.
خامسًا: بالنسبة لزوجة أبيها فلا حاجة لمواجهتها حاليًا
فما دامت لا تسيء لطفلتك، فلا تُفتحي بابًا للصدام معها، بل على العكس، يمكنك إرسال رسالة غير مباشرة –عن طريق الأب– تُظهر امتنانك لاهتمامها بالبنت، فهذا سيزرع عندها إحساسًا بالمسؤولية والتوازن في العلاقة، ويمنعها من تجاوز الحدود العاطفية مستقبلًا، وخاصة إنْ كانت تفعل هذا كيدًا لك.
* وهمسة أخيرة:
تذكّري حبيبتي: أن التربية رحلة صبر وثقة.
لا تقيسي الأمومة بلحظة مقارنة، ولا بكلمة قالتها طفلتكِ تحت تأثير مشاعر طفولية، بل انظري للأمد البعيد، ولجذوركِ التي لا تمحوها الأيام مهما بدا السطح عاصفًا.
إن شاء الله تعالى، ابنتك ستعود إليكِ حين تنضج… وتدرك من كانت الحضن الأول، والمأوى الأصدق، وستبكي على كتفكِ وتقول: "كم كنتِ عظيمة يا أمي".