Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 58
  • رقم الاستشارة : 1809
03/05/2025

أنا حاسس إني ضايع، ابني جالي من يومين وقال لي يا بابا كل صحابي بيشوفوا "ممثل مشهور" قدوة لأنهم شايفين إنه نجح بسرعة وعاش حياة مليانة فلوس وشهرة.

كنت حاسس إن الدنيا كلها انهارت قدامي، هو مش بيشوفه قدوة بالمعنى الكامل، بس شايف إن نجاحه السريع والشهرة دول هما الطريق الصح للنجاح، وأصعب حاجة إن ولادي بيتأثروا بأصحابهم بيقلدوا حركاته وكلامه حتى طريقة تصرفاته.

ولادنا في السن ده طبيعي يتأثروا بكل حاجة حواليهم، لكن خوفي إن ده يأثر عليهم بشكل مش صح، المشكلة مش في هذا الممثل لوحده، المشكلة في كل اللي بنشوفه حوالينا، النجاح بقى مقترن بالفلوس والشهرة والمجتمع كله بيدور حوالين ده.

أنا بحاول أربيهم على الأخلاق والجدعنة، بس لما يكون قدامهم نموذج بيحقق النجاح بسرعة بالشكل ده بفتكر نفسي هل احنا بنربيهم صح؟

أنا مش ضد النجاح بس مش عايزه يكون مرتبط بالتصرفات اللي تضرهم، أوقات كتير بحس إننا كآباء حتى لو بنحب أولادنا وبنحاول بس في حاجات خارجة عن إيدينا، أنا مش عايز ابني يظن إن الشهرة والفلوس هما اللي بيحددوا قيمة الإنسان كيف أوصله الفكرة ديه؟

الإجابة 03/05/2025

أحيّيك أيها -الأب الكريم- على وعيك العميق وحرصك النقي في زمنٍ تشوّشت فيه المفاهيم، واختلطت فيه القيم، وارتبك فيه ميزان "القدوة" لدى النشء.

 

رسالتك تنبض بمشاعر أبٍ يحترق خوفًا على أبنائه من أن تسرقهم التيارات الجارفة في زمن السرعة والضجيج. وما أروع أن يكون الأب حاضرًا بقلبه ووعيه قبل أن يكون حاضرًا بجسده.

 

أولًا: أتمنى ألا تهوّل التأثر.. بل افهم طبيعته

 

في علم النفس التربوي، نسمي المرحلة التي يمر بها ابنك "مرحلة بناء الهوية" (Identity Formation)، وهي من أبرز سمات فترة المراهقة، حيث يبحث الأبناء عن قدوات ينسجون من خلالها صورتهم المثالية عن أنفسهم.

 

تأثر ابنك بالممثل "المشهور" ليس إعجابًا سطحيًّا وحسب، بل هو انعكاس لرغبة داخلية في التميز، والنجاح، والتفرد، لكنه لا يعرف بعد الطريقة الآمنة أو الأخلاقية لتحقيق ذلك.

 

وهذا النوع من التأثر يُطلق عليه "التماهي الجزئي" Partial Identification، أي أنه يلتقط فقط ما يراه "لامعًا"، دون أن يُدرك تبعاته.

 

ثانيًا: لا تنتقد القدوة بشكل مباشر.. بل قدّم البدائل

 

فمن الخطأ التربوي الفادح أن نواجه أبناءنا بـرفض عنيف لقدواتهم المؤقتة؛ لأن هذا يُحدث رد فعل دفاعيًّا بداخلهم، فيبدأ الابن بالدفاع عما يُعجَب به أكثر، ولكن استخدم معه أسلوب "المقارنة العقلانية(Socratic Comparison) "، واسأله بأسلوب حواري ذكي:

 

- ما هي القيم التي يمثلها هذا الشخص؟

 

- هل هناك قدوات ناجحة جمعت بين الشهرة والأخلاق؟

 

- ما نوع التأثير الذي يتركه على متابعيه؟

 

ثم قدّم له نماذج حقيقية معاصرة لأشخاص نجحوا دون ضجيج، واحتفظوا بقيمهم، مثل علماء، رياضيين، أو مبتكرين شباب، أو حتى شخصيات من السيرة النبوية (كعبد الرحمن بن عوف الذي جمع بين الغنى والخلق).

 

ثالثًا: افصل بين "صورة النجاح" و"قيم النجاح"

 

بمعني أن المجتمع اليوم، ووسائل الإعلام، يربطون النجاح بالمظاهر، لكن دورك كأب هو أن توضح أن النجاح الحقيقي مبني على النية الصافية، العمل المتقن، القيم الأخلاقية، والأثر الطيب.

 

واذكر له قول الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، فعلّمه أن الزبد المتمثل في (الشهرة والضجيج) يذهب سريعًا، لكن النفع هو ما يبقى.

 

رابعًا: ارسم له صورة "القدوة الواقعية"

 

فالقدوة لا تعني أن يكون الإنسان "كاملاً"، بل أن يكون صادقًا ومجتهدًا ومؤثرًا بإيجابية.

 

ساعده على اكتشاف نقاط قوته الشخصية، وصمّم معه "صورة قدوته الذاتية"، من خلال الأسئلة التالية:

 

- ما نوع الشخص الذي تحب أن تكونه؟

 

- ما الأثر الذي تودّ أن تتركه في الحياة؟

 

- ما القيم التي تريد أن يتحدث بها الناس عنك بعد 10 سنوات؟

 

بهذا ننتقل من الانبهار الخارجي أو الـ (External Glamour) إلى البحث الداخلي (Internal Aspiration).

 

خامسًا: كن له قدوة في الحديث، والصبر، والمواقف

 

أقوى مصدر تربوي في هذه المرحلة هو القدوة العملية، فإن رأى فيك ثباتًا، وقيمًا، ورؤية ناضجة للحياة، فسيعود إليك في لحظة الصدق، حين تنكسر فيه المظاهر، ويبحث عن المعنى.

 

ولا تنسَ الدعاء أخي الفاضل.. فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، وقد قال رسول الله ﷺ: "إن الرجل ليرفعه الله بالولد الصالح بعد موته.". فكيف بمن يحسن غرسه في حياته؟

 

* همسة أخيرة لأخي الكريم:

 

اطمئن.. فأنت على الطريق. وجود هذا القلق في قلبك دليل على يقظةٍ عظيمةٍ في وجدانك،

ولن تُهزم القيم الصافية مهما علا ضجيج البهرجة. فقط، تكلّم، استمع، قدّم البدائل، وازرع الحلم.

 

وفقك الله وبارك لك في ابنك وأصلح أحواله.

الرابط المختصر :