الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : روح العبادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
30 - رقم الاستشارة : 2089
06/06/2025
أنا مقبل على أداء الحج هذا العام، لكن يغلب على قلبي الإحساس بالفخر، والحرص على إخبار كل من أعرف بأني سأحج هذا العام، وأن يعرف الناس بهذا. أخاف أن يكون حجي رياءً أو من أجل الناس، وأن الله لن يقبله. كيف أصحح نيتي وأتخلص من هذه المشاعر؟
مرحبًا بك أخي الكريم، وأسأل الله العظيم أن يتقبل منك حجك، وأن يجعله حجًّا مبرورًا مقبولًا، وأن يكتب لك فيه كل الخير والبركة، وأن يرزقك الإخلاص في كل خطوة تخطوها، وأن يطهر قلبك من كل شائبة، اللهم آمين، وبعد...
فيا أخي الكريم، إنَّ ما تشعر به من خوف وقلق تجاه الرياء في الحج هو في حد ذاته علامة خير، ودليل على يقظة قلبك وإيمانك الصادق. فالمؤمن الحق هو من يخشى على عمله أن يفسده الرياء، ويسعى جاهدًا لتصحيح نيته وتخليصها من شوائب الدنيا. فإنَّ النية هي أساس كل عمل، ومفتاح قبوله عند الله تعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه]. فنية الحج يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، ابتغاء مرضاته، وطمعًا في مغفرته وثوابه العظيم.
كيف أصحح نيتي وأتخلص من هذه المشاعر؟
إليك بعض الخطوات التي تعينك على تصحيح نيتك والتخلص من مشاعر الفخر والحرص على إخبار الناس:
- تذكر عظمة الله وجلاله:
قبل كل شيء، اجعل قلبك متعلقًا بالله وحده. فكِّر في عظمته سبحانه، في كماله وجلاله، في كرمه وعفوه. من هو الذي يستحق أن نسعى لرضاه؟ من هو الذي يملك النفع والضر؟ إنه الله وحده. عندما تتأمل في عظمة الله، تصغر في عينك كل المخلوقات، وتصبح نظرة الناس إليك شيئًا لا قيمة له. تذكر أنك ذاهب إلى بيته العتيق، تلبية لندائه، طالبًا رحمته ومغفرته، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].
- استحضار الإخلاص في كل خطوة:
قبل أن تبدأ في أي عمل يتعلق بالحج، وقبل كل قول، استوقف نفسك لحظة، واسألها: «لماذا أفعل هذا؟». اجعل نيتك هي: «أفعل هذا ابتغاء وجه الله، وطمعًا في ثوابه، وامتثالًا لأمره». كرر هذه النية في قلبك مع كل خطوة، ومع كل طواف، ومع كل سعي، ومع كل دعاء. فكِّر في أن الله يراك، ويعلم سرك ونجواك. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 11].
- إخفاء العمل قدر الإمكان:
الرياء يتربص بالعمل الظاهر، فكلما أخفيت عملك كان ذلك أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص. بالطبع، الحج عمل ظاهر بطبيعته، ولكن هذا لا يمنعك من إخفاء بعض جوانبه. فمثلًا: لا تسارع بإخبار الناس بأنك ستحج إلا للضرورة أو لمن يلزم إخباره. قلل من الكلام عن حجك، واجعل حديثك عن كرم الله وفضله عليك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يُحب العَبد التَّقي الغَني الخَفي» [رواه مسلم].
- تذكر فضل الإخلاص وعقوبة الرياء:
الإخلاص هو سر قبول الأعمال، وهو مفتاح النجاة يوم القيامة. فالمخلص هو الذي ينجو، وهو الذي ينال الثواب العظيم من الله تعالى. أما الرياء فهو شرك خفي، وهو من أكبر الذنوب التي تحبط الأعمال وتذهب ببركتها. ويوم القيامة يتحسر المرائي ويتمنى لو أخلص نيته لله، لأنه لن يجد ثوابًا من الله، بل سيوبخه الله ويعاقبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهم: اذهَبوا إلى الذينَ كنتم تُراؤونَ في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدونَ عِندَهم جزاءً» [رواه أحمد].
- الدعاء والالتجاء إلى الله:
أكثر من الدعاء بأن يرزقك الله الإخلاص، وأن يطهر قلبك من الرياء والسمعة. قل: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه».
- تأمل سيرة السلف الصالح:
اقرأ وتأمل في حياة الصحابة والتابعين وغيرهم من الصالحين، كيف كانوا يحرصون على إخفاء أعمالهم، وكيف كانوا يخافون على أنفسهم من الرياء. كان بعضهم يقوم الليل كاملًا ولا يعلم به أحد، وبعضهم يتصدق بالصدقات سرًّا لا يعلم بها إلا الله.
- ممارسة الرياضة الإيمانية:
وذلك عن طريق كثرة الذِّكر؛ فذِكر الله يطرد الشياطين ويزيل الوساوس. وكذلك بتلاوة القرآن وتدبره، فآيات القرآن تليِّن القلوب وتهذب النفوس.
- الصحبة الصالحة:
ابحث عن الأصدقاء الذين يذكرونك بالله، وينصحونك بالإخلاص، ويقوون عزيمتك على الطاعة. ابتعد عن مجالس المتباهين والمتفاخرين، فهم يغذون فيك حب الظهور. يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
- التفاؤل وحسن الظن بالله:
لا تدع الشيطان يقنطك من رحمة الله. صحيح أن الخوف من الرياء أمر محمود، ولكن يجب ألا يتحول إلى يأس وقنوط. ثق برحمة الله الواسعة، وأنه سيتقبل منك عملك إذا صدقت نيتك.
وختامًا أخي الغالي، إنَّ رحلة الحج هي فرصة عظيمة لتجديد الإيمان، وتقوية الصلة بالله. فلا تدع هذه المشاعر السلبية تسرق منك لذة الإقبال على الله وجمال هذه العبادة العظيمة. تذكر دائمًا أن الله يراك، ويعلم ما في قلبك، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. توكل عليه، واستعن به، وابذل الأسباب، وسيهديك إلى سواء السبيل.
أسأل الله أن ييسر لك حجك، وأن يجعله نورًا في قلبك، وطهارة لروحك، وسببًا في دخولك الجنة بغير حساب ولا عذاب. تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال. دمتم في رعاية الله وحفظه.