Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 41
  • رقم الاستشارة : 1178
02/03/2025

قرأت حديث النبي ﷺ: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

وأريد أن أفهم هذا الحديث فهمًا أعمق، فما المقصود أولا بحلاوة الإيمان، وكيف يذوقها المرء؟ وكيف أتحقق من هذه الصفات الثلاث في نفسي حتى أذوق حلاوة الإيمان كما ذكرها النبي ﷺ؟

وكيف يمكنني أن أجعل حب الله ورسوله فوق كل شيء عمليًا في حياتي؟ وما المقصود بالمحبة الخالصة لله؟ وكيف أفرق بينها وبين المحبة الدنيوية؟

كذلك، كيف أصل إلى هذه الدرجة من كراهية الكفر بحيث يكون رجوعي إليه أبغض إليّ من السقوط في النار؟ أرجو تفصيل الإجابة مع أمثلة عملية تساعدني على تحقيق ذلك. جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 02/03/2025

حياك الله أيها السائل الكريم، وأسأل الله أن يرزقك نور الإيمان وحلاوته، وأن يشرح صدرك لمرضاته، ويملأ قلبك بحبه، فإن أعظم نعمة يمنحها الله لعباده هي لذة القرب منه، والإحساس بحلاوة الإيمان التي أشار إليها النبي ﷺ في الحديث الذي ذكرت، وهو حديث متفق على صحته.

 

أولًا- ما المقصود بحلاوة الإيمان، وكيف يذوقها المرء؟

 

إن حلاوة الإيمان -أخي العزيز- هي حالة قلبية وروحية تجعل العبد يجد لذة في الطاعات، ويأنس بالقرب من الله، ويشعر بالسعادة والسكينة في عبادته، حتى تصبح العبادة أحب إليه من الدنيا وما فيها. وهذه الحلاوة ليست وهمًا، وليست مجرد إحساس عابر، أو مجرد تعبير مجازي؛ بل هي حقيقة يجدها من امتلأ قلبه بالإيمان الصادق.

 

يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]، والحياة الطيبة هنا تشمل السعادة القلبية الناتجة عن الإيمان.

 

ومن تذوق هذه الحلاوة يجد أن الطاعة تصبح عنده سهلة، والمعاصي ثقيلة على قلبه، ويشعر بالطمأنينة في ذكر الله، ويحب لقاء الله كما جاء في الحديث: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» [متفق عليه].

 

ثانيًا: كيف أتصف بهذه الصفات الثلاث؟

 

1- «أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»:

 

إن محبة الله ورسوله من أعظم مقامات الإيمان، وهي أساس السعادة في الدنيا والآخرة. فإذا أحب العبدُ ربَّه وأحب رسوله، انقاد إليهما بقلبه وجوارحه، ووجد لذة العبادة والطاعة.

 

والحب هنا ليس مجرد عاطفة؛ بل هو تفضيل ما يحبه الله ورسوله على هوى النفس والدنيا.

 

ويتحقق هذا الحب عندما تجد نفسك تقدم طاعة الله على رغباتك الشخصية، وتفرح بما يرضي الله، وتحزن لما يغضبه. فمثلًا: عندما تُخيَّر بين عملٍ يدر مالًا كثيرًا لكنه مشبوه، وآخر أقل مالًا لكنه حلال، فإنك تختار الحلال حُبًّا لله، وأيضًا أن تؤثر طاعة الله ورضاه على راحتك وأهواء قلبك، فتقوم -مثلًا- من نومك لأداء فريضة الفجر في وقتها، رغم البرد والإرهاق، وأن تنفق من مالك الذي تعبت في تحصيله في سبيل الله مؤديًا زكاتك المفروضة، ومتطوعًا بالصدقات. يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165].

 

2- «أن يحب المرء لا يحبه إلا لله»:

 

إن محبة إنسان في الله هي أن تحبه لطاعته لله وتقواه وفعله الخيرات وامتناعه عن المحرمات، وليس لمنفعة دنيوية تأتيك منه، تحبه لأنه يذكِّرك بالله، وتحرص على صحبته لزيادة إيمانك. يقول النبي ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ...»، وذكر منهم: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» [متفق عليه].

 

3- «أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار»:

 

وهذه الدرجة تأتي عندما يمتلئ القلب بالإيمان، فيصبح الكفر والضلال أبغض شيء إليه. والوصول لهذه الدرجة يكون بالعلم الشرعي الذي يرسخ الإيمان في القلب، والمجاهدة في طاعة الله. فمثلًا: المسلم الذي كان يعيش في بيئة غافلة ثم هداه الله، فإنه يكره حياة الغفلة، ولا يستطيع أن يعود إليها لأنه وجد نور الحق. قال الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) [الحجرات: 7].

 

ثالثًا: كيف أجعل حب الله ورسوله فوق كل شيء عمليًّا؟

 

من الوسائل لذلك:

 

1- الطاعة المطلقة لله ورسوله: أن تجعل أوامر الله ورسوله أولى من رغباتك وأهوائك.

 

2- الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن: لأن القلب يمتلئ حبًّا لله بذكره.

 

3- التضحية من أجل الدين: كأن تبذل وقتك ومالك وجهدك في سبيل الله.

 

4- اتباع سنة النبي ﷺ: وذلك فيما أمر ونهى وشرَّع، يقول جل وعلا: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: 31].

 

رابعًا- كيف أفرِّق بين المحبة الخالصة لله والمحبة الدنيوية؟

 

أخي الحبيب، إن المحبة لله وفيه لا ترتبط بمنفعة شخصية دنيوية مباشرة أو غير مباشرة، بل بتقوى الله عز وجل، ومرضاته، وحب الخير للناس مجردًا عن أي شيء يعود منهم إليك. فأنت لا تحب فلانًا لغناه أو لجاهه أو لسلطانه أو حتى لمجرد طرافة مجلسه وحلاوة لسانه، بل تحبه لأنه يحافظ على فروض الله، ويجتنب نواهيه، ويتقي الله فيما يقول ويفعل. ولا مانع أن تكون بينكما مصلحة دنيوية؛ لكن ليست هي مناط الحب ورباطه، وتختبر نفسك في هذا بأن تسألها سؤالًا: إذا انتهت هذه المصلحة، هل يستمر الحب؟ فإن استمر فهو لله، وإن زال فقد كان للدنيا.

 

خامسًا: كيف أكره الكفر كما أكره السقوط في النار؟

 

يتأتى ذلك -إن شاء الله تعالى- بتعميق الإيمان بالله، وذلك بالعلم النافع والعمل الصالح. وتأمُّل نعمة الهداية من الله، وتذكُّر كيف أنقذك الله من الضلال، وأنعم عليك بأن جعلك في زمرة المؤمنين في الدنيا، لتصل إلى النعيم المقيم في الآخرة. ثم معرفة عواقب الكفر في الدنيا والآخرة بالتأمل فيما ورد عن ذلك في القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة: 161].

 

وختامًا -أخي العزيز- أسأل الله أن يملأ قلبك بحب الإيمان، وأن يجعلك ممن يتذوقون حلاوته، فهذه الحلاوة هي التي تجعل الحياة طيبة، والطاعة سهلة، والمعاصي بغيضة. جدّ في السير إلى الله، فهو القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.