Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 54
  • رقم الاستشارة : 1727
23/04/2025

أسمع كثيرا كلمة الفلسفة المادية والفكر المادي.. فما هي قصة هذا الفكر وأهم أسسه التي يقوم عليها؟

الإجابة 23/04/2025

المادية والفكر المادي والثقافة المادية من أخطر ما يواجه الدين والطبيعة الإنسانية؛ لأن المادية تطرح رؤية مناقضة لحقيقة الدين القائم على الغيب، ومناقضة للطبيعة الإنسانية، القائمة على الجمع بين المادة والروح.

 

ومن ثم فإن فهم ماهية الفكر المادي، ونشأته من المسائل المهمة لأي مثقف معاصر؛ لأنه يعزز الإدراك الصحيح لكثير مما يدور حولنا في الحياة والاقتصاد والاجتماع والفن والإعلام.

 

المادية والفكر المادي، الذي يكاد يقترب من أن يكون أيديولوجية أو اعتقاد لا يؤمن إلا بالملموس والمحسوس كسبيل للمعرفة، وكغاية وجوهر للوجود؛ فالماديون يرفضون أي معرفة تقوم على غير الحس والمشاهدة والشواهد التجريبية والبيانات والأرقام.

 

ومن ثم فالمادية تقابل الروح والروحانية، وتقابل كل ما هو غيبي وغير مرئي، وتقابل كل ما هو غير خاضع للإدراك من خلال الحواس أو التجربة.

 

والمعنى الاصطلاحي للمادية هو تلك النظرة الحسية للعالم بما فيه من مكونات ومخلوقات وموجودات، كما أنها دعوة لفهم ظواهر الحياة والطبيعة، وإدراكها اعتمادًا على مبادئ محددة مضبوطة، علميًّا وموضوعيًّا؛ لذا فالمادية توجه فكري ونزعة فلسفة.

 

متى نشأت المادية؟

 

نشأة المادية قديمة، وترجع جذورها الأولى إلى الفلسفة اليونانية والإغريقية، لكن تحول المادية إلى نزعة فلسفية ظهرت في الأزمنة الحديثة بدءًا من القرن الخامس عشر الميلادي وما تلاه مما يسمى بعصر التنوير الذي احتفى بالعقل والعلم، واستبعد هيمنة الكنيسة على العقل ومجريات الحياة في أوروبا.

 

ويمكن تأريخ الميلاد المبكر للمادية عند الفيلسوف اليوناني "طاليس المالطي" في القرن السادس قبل الميلاد، وكان فلكيًّا وعالم رياضيات وفيلسوف، ويطلق عليه "أبو العلوم"، ويوصف بأنه أحد الفلاسفة السبعة الذين سبقوا "سقراط"، وهو من أوائل من أعطى للمشاهدة قيمة في تكوين المعرفة، ونجاح أفكاره في مقاومة الخرافة والأسطورة، وتقديمها لتفسير للظواهر الطبيعية والكونية، من البحث عن أجوبة عقلية وعلمية.

 

ظلت التراكمات الفكرية في تتابع حتى النهضة الأوروبية الحديثة في القرن السابع عشر الميلادي، حيث ترافق مع النهضة الأوروبية نهضة علمية تقدس العقل والعلم، وظهرت تيارات ونظريات علمية، سعت لتحطيم القيود التي فرضتها الكنيسة على العقل والتفكير، وترافق معها ثورات سياسية حطمت الكثير من النظم السياسية الملكية في أوروبا، مثل الثورة الفرنسية التي رفعت شعار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، وكان معنى هذا الشعار القطع الفكري والسياسي مع الدين، وعندها أخذت المادية تعبر عن نفسها في نظريات وأفكار، ترفض الغيب وتقدس العقل والتجربة والحس كسبيل للمعرفة.

 

لكن الأخطر في المادية المتصاعدة في تلك الفترة أن بعضًا من تياراتها أخذت خيارًا إلحاديًّا، فظهرت الرؤى اللادينية في التعبير عن نفسها، وأعلنت معاداتها للدين بشكل صريح، ومنها المادية العدمية، وأعلن فيلسوفها الألماني "نيتشه" مقولته الفجة "موت الإلـه".

 

وظهرت-أيضًا- الفلسفة الماركسية التي أعلن روادها "كارل ماركس" و"فرديرك أنجلز" أن "النظرة المادية للعالم هي النظرة للطبيعة كما هي، بدون أية إضافة خارجية، وأن المادة هي الجوهر الوحيد المقبول، وأن المادة هي الحقيقة المطلقة".

 

وقد تعرضت المادية لانتقادات متعددة شرقًا وغربًا، ولكن أسس الفلسفة المادية بدأت تهتز مع مطلع القرن العشرين مع تقدم علم الفيزياء الحديثة وظهور النظرية النسبية والنظرية الكمية؛ فالفيزياء الحديثة غيّرت من النظرة السابقة إلى الكون والقوانين الجارية فيه، ومما وصلت إليه الفيزياء الحديثة أن المادة ما هي إلا طاقة مكثفة، أي أن أصل المادة غير مادي، وبالتالي فمسألة المادة وكنهها ليست بالبساطة التي تخيلها الماديون وبنوا على فكرتهم الساذجة عن المادة فلسفتهم المادية.

 

ومن أقوى الانتقادات العلمية للنظرية المادية، ما قاله البروفيسور الألماني "وورنر كيت" المدير السابق للمعهد الفدرالي للفيزياء والتكنولوجيا: "إن أي منظومة لتسجيل المعلومات ناتجة على الدوام من جهد ذهني. ويجب الانتباه إلى أن المادة لا تستطيع القيام بتسجيل أي معلومة ولا تطوير أي منظومة في هذا الصدد.

 

وقد دلت جميع التجارب بأنه لكي تظهر معلومة للوجود فلا بد من وجود عقل يقوم بهذا بإرادته الحرة وبخاصية الإبداع فيه.

 

وليس هناك أي قانون في الطبيعة ولا أي مرحلة فيزيائية أو أي ظاهرة مادية تستطيع تأمين وإخراج أي معلومة إلى الوجود.

 

أي لا يوجد أي قانون في الطبيعة ولا أي مرحلة فيزيائية تستطيع خلق معلومات بشكل تلقائي أو آلي".

الرابط المختصر :