لساني «سلاح دمار شامل» كيف ألجمه وقت الغضب؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الأخلاق والمعاملات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 35
  • رقم الاستشارة : 2633
08/09/2025

السلام عليكم..

مشكلتي في لساني، ما أقدر أتحكم فيه وقت الغضب. إذا صارت مشكلة صغيرة مع زوجتي، أو مع واحد من عيالي، أو حتى مع زملائي في الدوام، أحس إني أتحول لشخص ثاني   ويصير لساني سلاح دمار شامل.

الكلام اللي يطلع مني يكون صعب وقاسي، وأبالغ في ردة فعلي بطريقة ما أصدقها بعد ما أهدأ. أقول كلام يجرح ويخلي الواحد يتندم، وبعد ما يخلص الموقف، أندم ندم مو طبيعي وأستحي من اللي سويته فيهم.

حاولت أضبط نفسي أكثر من مرة. جربت أسكت وما أرد، بس أحس الغضب بيخليني أنفجر، وفي الأخير أضطر أتكلم وأفرغ اللي في خاطري. وجربت أطلع من المكان، بس هالشي ينفهم غلط على إنه هروب أو عدم اهتمام.

أنا أبي أكون أب وزوج زين، وإنسان محترم بين الناس، بس هالصفة تخرب علي كل شي. خايف أخسر كل الناس اللي أحبهم بسبب هالمشكلة اللي مأرقتني. تكفون، أبي منكم نصيحة عملية وشرعية، وش أسوي عشان أتحكم بنفسي وقت الغضب؟ وكيف أمنع نفسي من إيذاء اللي أحبهم بكلامي؟

الإجابة 08/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أخي الفاضل، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك، ويُيسّر أمرك، ويُعينك على نفسك، ويُرزقك الحكمة والسكينة، وأن يرزقنا وإياك والمسلمين أجمعين حسن الخلق والقول والعمل، وبعد...

 

فإن رسالتك يا أخي تعبر عن نقاء سريرتك وحُسن معدنك. فندمك بعد كل موقف، وخوفك على أحبابك، ورغبتك الصادقة في التغيير، كل هذا يُشير إلى قلب حي يكره السوء ويُحب الخير. إنها معركة عظيمة بينك وبين نفسك الأمارة بالسوء، وبينك وبين الشيطان الذي يتربص بك ليوقعك في الزلل. فدعنا نواجه هذه المشكلة، مستمدين العون من الله سبحانه وتعالى.

 

ذم الغضب

 

الغضب صفة مذمومة؛ فهي جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، تشعل في داخله نيرانًا حارقة، وتُذهب عقله، وتخرجه عن سكينته. وقد جاء رجل للنبي ﷺ فقال: «أوصني»، فقال: «لا تغضب»، ورددها مرارًا، [رواه البخاري]. فالنبي ﷺ ينصحنا بأن نسيطر على نفوسنا ونتحكم فيها، حتى لا ينفجر هذا الغضب في وجه الآخرين، ويحرق كل ما هو جميل.

 

إن الإنسان في حالة الغضب يُصبح أسيرًا لمشاعره، وتُغلَق أمامه أبواب العقل والحكمة، فيُصبح كمن يسير في طريقٍ مظلمٍ بلا مصباح، يتخبط ويؤذي نفسه ومن حوله دون أن يدري.

 

خطوات عملية للتحكم في الغضب

 

التحكم في الغضب هو جهاد للنفس، يحتاج إلى تدريب مستمر وعزيمة صادقة. وإليك بعض الخطوات العملية التي يُمكنك تطبيقها:

 

1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: هذه هي الخطوة الأولى والأهم. فالغضب شر يلقيه الشيطان، ومفتاح السيطرة عليه هو اللجوء إلى الله والاعتصام به. قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: 200]. فعندما تشعر بأولى بوادر الغضب، تنفَّس بعمقٍ، وقل في نفسك أو بصوت خافت: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». هذه الكلمات كفيلة بإطفاء لهيب الغضب وبث السكينة في قلبك.

 

2- تغيير الوضعية: قال النبي ﷺ: «إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» [رواه أبو داود]. فالانتقال من وضعية إلى أخرى يُساعد على كسر حلقة الغضب، ويُعيد إلى عقلك السيطرة على جسدك.

 

3- الصمت: إن الصمت في لحظة الغضب ليس سهلًا، ولكنه يُجنبك كثيرًا من الندم. لقد قال النبي ﷺ: «إذا غضب أحدكم فليسكت» [رواه أحمد]. فالكلام في لحظة الغضب هو شرارة تشعل الموقف، وتؤدي إلى قول ما يجرح وما يُندم عليه بعده. فتدرب على الصمت. والصمت لا يعني عدم تعبيرك عن رأيك؛ بل يعني أنك تؤجل التعبير عنه إلى أن تهدأ ويعود إليك عقلك.

 

4- الوضوء: وهو علاج فعَّال للغضب. فالنبي ﷺ قال: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» [رواه أبو داود].

 

كيف تمنع نفسك من إيذاء أحبابك؟

 

تذكر يا أخي أن الكلمة الجارحة كالسهم الذي يُصيب القلب، قد تُشفَى الجراح، ولكن أثر السهم يبقى للأبد.

 

- تذكَّر حُسن العشرة: اسأل نفسك: زوجتك شريكة حياتك، وأبناؤك فلذات كبدك، وزملاؤك من تقضي معهم جزءًا كبيرًا من يومك؛ هل تحب أن تترك ذكرى سيئة عنك في قلوبهم؟ هل تحب أن تصبح مصدرًا للخوف والرهبة لديهم بدلًا من الحب والاحترام؟ وقد قال النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه ابن حبان]. وكما أن الكلمة الطيبة صدقة، فالكلمة الجارحة ذنب ومعصية.

 

- تعلَّم الاعتذار: الاعتذار ليس ضعفًا؛ بل هو قوة وشجاعة. بعد كل غضب (إن حدث) وبعد أن تهدأ وتدرك خطأك، لا تتردد في الاعتذار. اعتذر لزوجتك، واعتذر لأبنائك. علمهم بقوة شخصيتك وشجاعتك أنك تعترف بخطئك وتندم عليه. هذا الفعل يعيد بناء الجسور، ويزيل الضغينة، ويُعلِّم أبناءك قيمة التواضع وقوة الاعتراف بالخطأ.

 

- ضع نفسك مكانهم: قبل أن تتلفظ بالكلمة، تخيَّل أنها تُقال لك. كيف سيكون شعورك؟ هل ستبقى علاقتك مع هذا الشخص كما هي؟

 

وختامًا أخي الفاضل، إنها رحلة من الجهاد والمجاهدة، قد تسقط وتُخطئ، وهذا طبيعي، ولكن المهم ألا تيأس، والا تكف عن المجاهدة. قال الله تعالى: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]، وقال ﷺ: «والمجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ في طاعةِ اللَّهِ» [رواه أحمد]. وادعُ الله أن يُذهب عنك هذه الصفة، وأن يرزقك الحِلم والأناة.

 

أسأل الله أن يُعينك على ذلك، وأن يُبارك فيك وفي أهلك، وأن يجعل حياتكم كلها سكينة ومودة ورحمة.

الرابط المختصر :