Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 68
  • رقم الاستشارة : 2032
21/05/2025

السلام عليكم، أحس بضعف بجانب مهم من إيماني. أنا متزوج وعندي طفل صغير، والحمد لله على كل نعمه. بشتغل بوظيفة محترمة وعم حاول قد ما بقدر إنجح بحياتي الدنيوية.

المشكلة اللي عم واجهها هي إني، مع إني بآمن بوجود الجنة والنار بس هالشي ما عم يترجم دايمًا ليقين قوي بيأثر بشكل مباشر وعميق على قراراتي اليومية وتصرفاتي.

أحيانًا بحس إني عم أتعامل مع الحلال والحرام، ومع مغريات الدنيا، وكأنو الآخرة بعيدة.

بدي اليقين بالجنة والنار يصير جزء لا يتجزأ من شعوري، بحيث يصير هو المحرك الأساسي لكل خياراتي، سواء بتعاملي مع أهلي، أو بشغلي، أو بإدارة مصاريفي، أو حتى بكيفية قضاء وقتي. بدي هاليقين يكون حاضر بذهني وقلبي دايمًا.

شو هي الخطوات العملية اللي فيني اتبعها لأعمق هاليقين وارسخه بوجداني؟

الإجابة 21/05/2025

أهلًا بك أيها الأخ الكريم، وكم أسعدتني رسالتك التي تحمل صدقًا وشفافية ورغبة صادقة في نوال رضا الله، ومن ثم جنته. أشكر لك ثقتك بنا، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشرح صدرك، وينير بصيرتك، ويزيدك إيمانًا ويقينًا وثباتًا على الحق، وأن يرزقك سعادة الدارين.

 

أيها الأخ الفاضل، إن ما تمر به من شعور بنقص اليقين بالجنة والنار، مع إيمانك بوجودهما، هو أمر يمر به كثيرون. فالدنيا بزينتها ومشاغلها قد تشغل القلب وتغطي على الاستعداد للآخرة أحيانًا. ولكن مجرد شعورك بهذا الضعف ورغبتك في تقوية يقينك هو بحد ذاته علامة خير، ودليل على أن بذرة الإيمان عميقة في قلبك وتريد أن تنمو وتزهر.

 

إن الإيمان بالجنة والنار هو من أصول العقيدة الإسلامية، وهو ركن أساسي من أركان الإيمان بالغيب. فالله تعالى لم يخلقنا عبثًا، ولم يتركنا سدى؛ بل خلقنا لهدف عظيم، هو عبادته، ووعدنا بمجازاة المحسنين بالجنة، وتوعد المسيئين بالنار.

 

لماذا يضعف اليقين؟

 

رغم تصديقنا بوجود الجنة والنار، فإن هذا التصديق قد لا نجد له أثرًا في أعمالنا وأقوالنا، وأسباب ذلك متعددة، منها:

 

1- طبيعة الحياة الدنيا:

 

فالدنيا دار ابتلاء وزينة، تغري الإنسان وتصرفه عن الهدف الأسمى. يقول تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14].

 

2- الغفلة وطول الأمل:

 

ينسى الإنسان أحيانًا الموت والآخرة، ويطول عليه الأمل في الحياة، فيظن أن الأجل بعيد، فينغمس في ملذات الدنيا.

 

3- ضعف التفكر والتدبر:

 

قلة التفكر في آيات الله الكونية والقرآنية، والتأمل في مصير من سبقنا، يضعف اليقين.

 

4- المعاصي والذنوب:

 

إن الذنوب تترك أثرًا على القلب، وتصيبه بالران والغشاوة، مما يحجب عنه نور اليقين. يقول النبي ﷺ: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: ﴿كَلَّا بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]» [رواه الترمذي].

 

خطوات عملية لتعميق اليقين وترسيخه:

 

لا تقلق أيها الأخ الحبيب، فلكل داء دواء، وإليك خطوات عملية، ستساعدك -بإذن الله- على تعميق يقينك بالجنة والنار، ليصبح المحرك الأساسي لكل خياراتك:

 

1- تدبر القرآن وخصوصًا آيات الجنة والنار:

 

اجعل القرآن رفيقك الدائم، ليس فقط بالتلاوة، بل بالتدبر والتفكر في معانيه. خصص وقتًا يوميًّا لقراءة جزء من القرآن بتأنٍّ، وتوقف عند آيات الجنة والنار. تخيل النعيم الموعود، وصفات أهل الجنة، وما أعد الله لهم من كرامة. وتخيل أيضًا أهوال النار وعذابها، وما يحل بأهلها.

 

حاول ربط ما تقرؤه بواقع حياتك: كيف يمكن لآيات الجنة أن تدفعك إلى الإحسان في تعاملك مع زوجتك وطفلك؟ وكيف يمكن لآيات النار أن تمنعك من الوقوع في الشبهات في عملك أو في إدارة أموالك؟

 

2- الإكثار من ذِكر الموت وزيارة القبور:

 

إن تذكر الموت هو أعظم واعظ للإنسان، فهو يذكره بحقيقة النهاية وأن الدنيا زائلة. تفكر في لحظة مفارقة الروح للجسد، ولحظة دخول القبر، فهذا التفكر سيزيد من شعورك بزوال الدنيا وقرب الآخرة.

 

زُر القبور بين حين وآخر، وتأمل في حال الأموات. تذكر أنهم كانوا مثلك يومًا ما، يعملون ويأكلون ويشربون، والآن هم تحت التراب، ينتظرون الحساب. يقول النبي ﷺ: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة» [رواه مسلم].

 

تخيل الآخرة، وحاول أن تتخيل نفسك في لحظة الحساب، ولحظة المرور على الصراط، ولحظة رؤية الجنة والنار. هذه التخيلات الواعية ستؤثر في قلبك بلا شك.

 

3- مصاحبة الصالحين:

 

الصحبة الصالحة لها أثر بالغ في تقوية الإيمان واليقين. فابحث عن الصالحين، واجلس مع من يذكِّرك بالله، ومن يحفزك على الخير، ومن لديه يقين قوي بالآخرة. استمع لحديثهم، واستفد من تجربتهم.

 

4- طالع سِيَر الصحابة والسلف الصالح:

 

فمنها ترى كيف كان يقينهم بالجنة والنار، وكيف أثر ذلك في حياتهم. سيرتهم ستكون مصدرًا عظيمًا للإلهام والعبرة.

 

5- الإكثار من الدعاء والابتهال إلى الله:

 

الدعاء هو سلاح المؤمن، فالله تعالى هو مقلب القلوب ومصرفها. فادعُ الله بصدق أن يرزقك اليقين الراسخ، وأن يجعل الجنة نُصب عينيك، وأن يباعد بينك وبين النار. وأكثر من هذا الدعاء: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" و"اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار".

 

ادعُ في أوقات الإجابة، في جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، بقلب منكسر خاشع.

 

6- محاسبة النفس يوميًّا:

 

قبل النوم، راجع يومك، كل فعل، كل كلمة، كل نية. هل كانت هذه الأفعال تقربني من الجنة أم تبعدني عنها؟ هل كانت ترضي الله أم تغضبه؟

 

وقبل أن تتخذ أي قرار في حياتك، سواء في عملك، أو في تعاملك مع أسرتك، أو في مالك، اسأل نفسك: هل هذا القرار يرضي الله؟ هل هو أقرب إلى الجنة أم إلى النار؟ هذا السؤال سيجعل اليقين حاضرًا في كل لحظة.

 

في تعاملك مع أهلك، تذكر أن إكرام زوجتك ورعاية طفلك هو طريق إلى الجنة. يقول النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي].

 

في عملك، اجتهد بإخلاص وأمانة، واعلم أن الله يراك. تذكر أن الكسب الحلال يبارك الله فيه، وأنه طريق إلى الجنة، وأن الكسب الحرام طريق إلى النار.

 

في إدارة مصاريفك، كن معتدلًا، وأنفق فيما يرضي الله. تذكر أن المال فتنة، وأن السخاء في سبيل الله طريق إلى الجنة، وأن البخل والشح قد يقود إلى النار.

 

في قضاء وقتك، استثمره فيما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة. وتذكر أن الوقت هو عمرك، وأنك مسؤول عنه.

 

7- الإكثار من الطاعات والعبادات

 

كلما زاد ارتباطك بالله عن طريق الطاعات، زاد نور اليقين في قلبك. فحافظ على الصلوات في أوقاتها، وأكثر من النوافل، وصيام التطوع الذي يقوي الإرادة ويهذب النفس. والصدقة التي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتزيد البركة في الرزق. وداوم على أذكار الأحوال والأذكار المطلقة، فكلها تحصين لك وتقوية لصلتك بالله.

 

وختامًا أخي الحبيب، إن تعميق اليقين بالجنة والنار هو رحلة مستمرة، وليست محطة تصل إليها ثم تتوقف. إنها تحتاج إلى مجاهدة للنفس، وصبر، ومثابرة. تذكر دائمًا أن الله أرحم بك من نفسك، وأنه يحب أن يراك تسعى إليه وتتقرب منه. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

 

فكن واثقًا أن سعيك هذا سيؤتي ثماره، وستجد أن اليقين بالجنة والنار قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من كيانك، محركًا لكل خياراتك، وموجهًا لكل تصرفاتك، ومعينًا لك على النجاح في دنياك وآخرتك.

 

أسأل الله العظيم أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يرزقك اليقين الكامل، وأن يجمعنا وإياك في الفردوس الأعلى من الجنة.

الرابط المختصر :