الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الفتور والضعف
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
39 - رقم الاستشارة : 2043
22/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا متزوجة وعندي عيال، وعايشة مثل الناس حياة مليانة مسؤوليات وتحديات. بالفترة الأخيرة، أعاني من قلق مو طبيعي وإحساس بعدم الأمان بسبب الأحداث اللي وايد تصير وما أقدر أتحكم فيها. ألقى نفسي أفكر طول الوقت بالمستقبل المجهول، بصحة عيالي، برزق زوجي، بالظروف الاقتصادية اللي تتغير، وحتى بأبسط تفاصيل حياتي اليومية اللي يمكن ما تمشي مثل ما أنا مخططة لها.
أنا مؤمنة بالله سبحانه وتعالى وبالقدر خيره وشره، وأدري إن كل شي بيده سبحانه، بس أول ما أواجه موقف مو بإيدي، أو أسمع خبر يضيّق الخلق، أطيح بدوامة القلق والخوف، وأحس إيماني هذا يختفي مع زحمة الأفكار السلبية.
فهل قلقي هذا يعني إني ما أتوكل التوكل الصح؟
أتمنى لو أقدر أعيش بسلام وطمأنينة صجية، وإني أتقبل كل شي يكتبه الله لي ولأهلي بنفس راضية ومطمنة.
شلون أقدر أطبق الإيمان بالقدر بحياتي اليومية بشكل عملي، يعني مو بس فكرة نظرية، بل تصير أساس حقيقي للطـمأنينة النفسية؟
وشنو الخطوات الإيمانية والعملية اللي تساعدني أتخلص من هالقلق المستمر، وأعيش بقلب سليم ومطمن بقضاء الله وقدره؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أختي الفاضلة، وأسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يفتح عليكِ أبواب رحمته وفضله، وأن يسكب في قلبكِ الطمأنينة والسكينة، وأن يربط على قلبكِ بالصبر واليقين، وأن يجعل كل همٍّ وغمٍّ يصيبكِ كفارة لذنوبكِ ورفعة لدرجاتكِ في الجنة، وبعد...
فإن مشاعر القلق والخوف من المجهول هي مشاعر إنسانية طبيعية قد تعتري أي واحد منا، لكن من المهم معرفة كيفية التعامل معها، وكيفية توظيف إيماننا العميق بالله تعالى ليصبح حصنًا منيعًا يقينا من ويلات القلق ويمنحنا الطمأنينة الحقيقية.
هل القلق ينافي التوكل الصحيح؟
أختي الفاضلة، أطمئنكِ: إن التوكل على الله لا يعني أن نكون بلا مشاعر، أو أن نلغي تفكيرنا في المستقبل. فالإنسان مفطور على حب أولاده وأهله، وعلى التفكير في رزقه وصحته. وهذا ليس نقصًا في التوكل.
إن التوكل الصحيح هو أن يبذل العبد الأسباب، ثم يُفوض أمره كله لله تعالى، ويسلِّم تسليمًا كاملًا لقضاء الله وقدره، مع الثقة المطلقة بأن ما اختاره الله له هو الخير، حتى لو بدا له عكس ذلك في ظاهره. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3].
إن قلقكِ الذي تصفينه، عندما يتحول إلى دوامة من الأفكار السلبية التي تسيطر عليكِ وتنسيكِ إيمانكِ، قد يكون مؤشرًا على أن هناك حاجة لتقوية جانب التسليم واليقين في قلبكِ؛ ليس نقصًا في إيمانكِ الأساسي، بل هو تحدِّ يدعوكِ لتعميق فهمكِ وتطبيقكِ لمفهوم التوكل على أرض الواقع.
كيف نجعل للإيمان بالقدر أثرًا في الحياة اليومية؟
الإيمان بالقدر ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو منهج حياة يمنحكِ سكينة لا تُقدَّر بثمن. إليكِ بعض النقاط العملية لتطبيقه:
1- اليقين بأن كل شيء بقدَر الله:
تذكري دائمًا أن كل ما يحدث في الكون، من أصغر الأحداث إلى أعظمها، قد كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض. قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22]. هذا اليقين يجعلكِ تستقبلين كل ما يأتي برضا وتسليم، لأنه من عند الله.
2- الرضا بالقضاء:
الرضا هو أعلى مراتب اليقين. أن ترضي بما قضاه الله لكِ، سواء كان خيرًا أم شرًّا في نظركِ. تذكري قول النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم].
3- الأخذ بالأسباب مع التوكل:
لا تتوقفي عن بذل الأسباب والسعي في أمور حياتكِ، ولكن مع اعتقاد راسخ بأن النتائج بيد الله وحده. افعلي ما بوسعكِ من رعاية لأولادكِ، واهتمام بزوجكِ وبيتكِ، وسعي في سبيل الرزق، ثم فوِّضي الأمر لله. هذا هو عين التوكل.
4- تذكُّر حكمة الله في كل شيء:
قد لا نفهم الحكمة من وراء بعض الأحداث؛ لكن الله تعالى يقول: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]، فثقي بأن الله أرحم بكِ من نفسكِ، وأنه لا يقدر لكِ إلا الخير وإن بدا في ظاهره عكس ذلك.
5- المداومة على الأذكار والدعاء:
الأذكار حصن المسلم، فداومي على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار الخروج والدخول، وغيرها من أذكار الأحوال والأذكار المطلقة. كما أن الدعاء هو سلاح المؤمن، وهو يغير القضاء المعلَّق، ويزيد من إيمانكِ ويقينكِ بالله. قال النبي ﷺ: «لا يرد القضاء إلا الدعاء» [رواه الترمذي].
خطوات عملية للتخلص من القلق:
1- تعميق المعرفة بالله تعالى:
عن طريق معرفة وتأمل أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فكلما ازددتِ معرفة بالله، زاد حبكِ له ويقينكِ به وتوكلتِ عليه حق التوكل. اعرفي اسم الله "الرزاق" فتطمئني على رزق زوجكِ وعيالكِ. اعرفي اسم الله "الشافي" فتطمئني على صحتهم. اعرفي اسم الله "الحفيظ" فتطمئني على حفظه لكم. اعرفي اسم الله "اللطيف" فتعلمي أن لطفه يحيط بكل أمر.
2- كثرة الذِّكر والاستغفار:
الذِّكر يحيي القلب ويطمئنه، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. والاستغفار يفتح الأبواب المغلقة ويزيل الهموم.
3- المحافظة على الصلاة بخشوع:
الصلاة هي صلة بين العبد وربه، وهي ملاذ المؤمن من هموم الدنيا. اجعلي صلاتكِ محطة يومية للتفريغ والسكينة، وناجي ربكِ فيها بكل ما في قلبكِ.
4- قراءة القرآن وتدبره:
القرآن نور وهدى وشفاء لما في الصدور. اقرئي القرآن بتدبر، وحاولي أن تفهمي معانيه، ففيه راحة للقلب وهداية للعقل.
5- التفكر في عظمة الله وقدرته:
عندما تتأملين في خلق السماوات والأرض، وفي تدبير الله للكون كله، ستشعرين بعظمة الخالق وقدرته التي لا يحدُّها شيء، وأن كل أمركِ وأمر الكون كله بيده سبحانه وتعالى.
6- الصحبة الصالحة:
أحيطي نفسكِ بالصالحات اللواتي يذكرنكِ بالله ويشجعنكِ على الخير، ويقوين إيمانكِ، ويبعدنكِ عن دوامة الأفكار السلبية.
7- إدارة الأفكار السلبية:
عندما تبدأ الأفكار السلبية في التسلل إلى ذهنكِ، لا تستسلمي لها. حاولي أن توقفيها وتستبدلي بها أفكارًا إيجابية، مثل تذكر نعم الله عليكِ، والتفكير في الجانب المشرق من حياتكِ.
8- ممارسة الرياضة مع الغذاء الصحي والنوم الكافي:
فالرياضة تساعد على تخفيف التوتر والقلق وتحسين المزاج، والتغذية الجيدة والنوم الكافي يؤثران بشكل كبير على حالتكِ النفسية.
9- مشاركة أفكارك مع من تثقين بهم:
لا تكتمي مشاعركِ وهمومكِ. تحدثي مع زوجكِ، أو أمكِ، أو أختكِ، أو صديقة مقربة تثقين بها وتفهمكِ. أحيانًا مجرد التحدث عن المشاعر يخفف من وطأتها.
10- تجنب الأخبار السلبية:
حاولي أن تضعي حدودًا لمتابعتكِ للأخبار التي تسبب لكِ القلق، واختاري مصادر موثوقة ومحددة لمتابعة ما يحدث حوالك بشكل عام، دون خوض في التفاصيل غير المفيدة أو التي تسبب الانزعاج والقلق والحزن.
وختامًا أختي الكريمة، تذكري دائمًا أن الله تعالى معكِ، وأنه أقرب إليكِ من حبل الوريد. ثقتكِ به، وتوكلكِ عليه، ورضاكِ بقضائه وقدره، هي المفاتيح الحقيقية للسكينة والطمأنينة. فالحياة مليئة بالتحديات، ولكن إيماننا بالله هو ما يجعلنا نصمد ونتجاوزها بسلام.
أسأل الله أن يرزقكِ قلبًا مطمئنًا، ونفسًا راضية، وأن يملأ حياتكِ سعادة وهناء. دمتِ في حفظ الله ورعايته.