كيف أعلم ابني الرجولة بدون قسوة؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : المراهقون
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 30
  • رقم الاستشارة : 3421
01/12/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنا كأب محتار جاي أطلب مشورتك. نفسي أعلّم ابني الرجولة من غير ما أكون قاسي عليه أو أجرحه، ومن غير ما يطلع هش أو ضعيف. بحاول أزرع فيه إن الرجولة مش شدة ولا صراخ، لكن مسؤولية وقدرة على تحمّل العواقب. نفسي يفهم إن قوته الحقيقية مش في إنه يفرض نفسه أو يكسر الدنيا، لكن في إنه يقف ويتحمل نتيجة قراراته.

أحيانًا بلاقي نفسي بمدحه لما يعتذر أو يصلّح غلطه، وبحاول أعلّمه إن الاعتذار قوة مش ضعف، لكن مش متأكد إذا ده كفاية عشان يترسّخ المعنى جواه. وفي نفس الوقت، بخاف أحرمه من التجربة والغلط، لأني عارف إن الولد اللي ما بيغلطش بيطلع هش، واللي بيتعلم من غلطه بيطلع ثابت. بس برضه بخاف عليه من المخاطر الكبيرة، ومش عارف إزاي أوازن بين الحماية والتجربة.

وأنا مدرك إن القدوة أهم من النصيحة، وبحاول أكون قدوة قدامه في صبري وأخلاقي وردود أفعالي، لكن ساعات بحس إني مش دايمًا قادر أكون النموذج اللي نفسي أكونه. فأنا جاي لك كأب محتار، عايز خطوات عملية تساعدني أطبّق ده في البيت، عشان ابني يتعلم الرجولة كمسؤولية وأخلاق، مش كقوة أو قسوة.

الإجابة 01/12/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

مرحبا بك أيها الأب الكريم، وأسأل الله أن يبارك لك في ابنك، وأن يجعل سعيك في تربيته في ميزان حسناتك. لقد جئتَ بسؤال يدل على وعيٍ كبير، فمجرد انشغالك بمعنى "الرجولة الأخلاقية" لا "الرجولة الصاخبة" هو نصف الطريق نحو تربية شاب متّزن.

 

حيرة طبيعية جدًّا

 

أولًا: سوف أفند لك ما تشعر به:

 

حيرتك طبيعية جدًّا؛ لأنك تمشي على خيطٍ دقيق بين "الحماية" و"الاستقلال"، وبين "الصلابة النفسية" و"الرفق". وهذا تمامًا ما تشير إليه نظريات علم النفس التربوي الأسري، خصوصًا مبدأ (التربية المتوازنة) الذي يجمع بين الدفء العاطفي والضبط والحدود. أنت تبحث عن هذا التوازن، وهذا في حدِّ ذاته خطوة تربوية راقية.

 

مفهوم الرجولة

 

ثانيًا: مفهوم الرجولة كما تقدّمه لابنك:

 

أعجبني جدًّا أنك تُعرّف "الرجولة" بأنها مسؤولية وتحمّل للعواقب لا قسوة ولا فرض للسلطة. وهذا يتفق مع قول رسولنا الكريم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وهذه القاعدة التربوية الذهبية تكفي لبناء وعي رجل متّزن.

 

ثالثًا: هل مدح الاعتذار كافٍ؟

 

نعم، مدحك له حين يعتذر خطوة صحيحة؛ لأنك تزرع داخله قيمة التحكم في انفعالاته وما يصل له الشخص حين ينفعل، فيشعر بالمسؤولية الذاتية.

 

لكن كي يترسّخ هذا المفهوم، فأنت تحتاج إلى:

 

1- تسمية الشعور وتوصيفه: عندما يعتذر قل له: "تصرفك هذا يدل على شجاعتك".

 

٢- ربط السلوك بالمعنى: قل له: "الرجولة أن تصلح قبل ما حدّ يطلب منك".

 

٣- وكذلك الاستمرارية: فالمدح المتزن لا يصنع غرورًا، بل يصنع دائمًا ثقة بالنفس .

 

رابعًا: بالنسبة للخوف من تجربته وأخطائه:

 

هذا أيضًا قلق مشروع، وقد تحدثت عنه نظرية Risk-Taking in Development التي تؤكد أن الطفل يحتاج إلى مساحة Calculated Risks  مخاطر محسوبة.

 

وهنا أضع لك قاعدة ذهبية مفادها: "دعه يخطئ في الأشياء الآمنة.. واحمه من الأخطاء عالية الخطورة".

 

- دعه يخطئ، مثل: اختيار ملابسه، ترتيب ألعابه، اتخاذ قرار صغير ثم تحمّل نتائجه. على أن تكون تجربة الشيء الجديد تحت رقابتك بطريقة غير مباشرة.

 

- أما الحماية فتكون من: إيذاء نفسه، إيذاء الآخرين، القرارات المالية أو الاجتماعية الكبيرة. وهكذا توازن بين الحماية والتجربة دون إفراط أو تفريط.

 

خامسًا: أنت القدوة، حتى لو لم تكن كاملًا:

 

لا أحد من الآباء كامل، والقدوة ليست "صورة من المثالية"، بل "صورة من الاجتهاد". فعندما تخطئ أمامه ثم تعتذر، فأنت تعطيه درسًا لا يُنسى في Modeling Humility نمذجة التواضع، وهذا أقوى من آلاف الكلمات.

 

بل إن النبي ﷺ، وهو خير القدوة، كان يُظهر تواضعه لأهل بيته وأصحابه، فيريهم كيف يعيش لا كيف يتكلّم فقط.

 

خطوات عملية

 

سادسًا: إليك خطوات عملية واضحة سوف تساعدك إن شاء الله:

 

1- اتبع قانون التبعات أو العواقب الطبيعية (Natural Consequences)، مثلاً:

 

- إذا نسي واجبه، فلا تنقذه فورًا.

 

- إذا أضاع لعبته، دعْه يشعر بأثر الضياع.

 

هذه الطريقة تعلّم المسؤولية دون صراخ.

 

2- حاول عقد مجلس أسبوعي قصير للأحاديث الذكية معه.. خمس دقائق فقط تتحدثان فيها عن:

 

- موقف تصرف فيه برجولة.

 

- موقف تحكّم فيه في غضبه.

 

- موقف تعب فيه لكنه أكمله.

 

بهذا تصنع عقلية نامية بشكل متوازن.

 

3- أعطه مسؤولية يومية للأعمال المنزلية البسيطة، مثل: سقاية زرع، ترتيب سريره، حمل أغراض خفيفة. هذه تبني بداخله الاعتماد على النفس فتؤصل لديه الكفاءة الذاتية Self-Efficacy.

 

4- عوّده على الصبر: علمه ينتظر دوره، مثلاً ينتظر حتى يجهز الطعام، فلا يتعجل ويأكل قبل تجهيزه وتجمع الأسرة. فكل انتظار قصير يصنع داخله تحمّلًا.

 

5- ضبط انفعالاتك أمامه: ليس المطلوب ألا تغضب، بل أن "تدير غضبك". عندما يراك تتوقف لحظة قبل الرد، أو تغيّر نبرة صوتك، فهو يتعلم التنظيم الذاتي لانفعالاته.

 

6- عزز هويته الأخلاقية: قل له بين الحين والآخر: "أنت رجل مسؤول، وأنا أثق بك"، "الرجولة في خلقك قبل قوتك". الطفل يبني Moral Identity فهويته الأخلاقية تتشكل من تكرار هذه الرسائل الإيجابية.

 

وأخيرًا: ثق أنك تسير على الطريق الصحيح، وتساؤلك هذا وحده دليل على أنك أب "يصنع رجولة عاقلة"، لا رجولة مزيفة. وتذكر أن "الطفل كالعجين، يتشكل بيد والديه".

 

وتذكر أيضًا قول الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾؛ فالقول الحسن، والرفق، والحدود الواضحة، هي أركان الرجولة التي تُبنى ولا تُفرض.

 

* همسة أخيرة:

 

إنك لا تربي ابنًا فقط.. بل تزرع رجلًا سيؤثر في أسرته ومجتمعه ومستقبله.

 

بارك الله فيك، وجعل ابنك قُرّة عين لك في الدنيا والآخرة.

 

روابط ذات صلة:

كيف أُهيّئ ابني لمرحلة البلوغ دون حرج؟!

«ثقافة الاعتذار».. هل هي رجولة أم ضعف؟

مادة جديدة لتدريس "الرجولة" في المدارس الصينية!

الرابط المختصر :