Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 83
  • رقم الاستشارة : 1393
20/03/2025

أنا شاب أسعى في العشر الأواخر من رمضان إلى الاجتهاد في الطاعة والعبادة، فأحرص على قيام الليل، وقراءة القرآن، والدعاء، لكنني أحيانًا أشعر بأن قلبي لا يتأثر كما ينبغي، وكأن هناك حجابًا يمنعني من الخشوع والتفاعل الروحي العميق.

رغم حرصي على الإكثار من الذكر والتفكر، إلا أنني أشعر بجفاف روحي أو فتور داخلي، مما يحزنني كثيرًا، خاصة في هذه الأيام العظيمة التي ينبغي أن يكون فيها القلب أكثر قربًا من الله.

كيف يمكنني أن أرقق قلبي وأجعله أكثر تأثرًا وخشوعًا في هذه الأيام المباركة؟ وهل هناك أعمال أو أذكار معينة تساعد على ذلك؟

الإجابة 20/03/2025

حياك الله أيها الأخ الكريم، وبارك لك في هذه العشر الأواخر المباركة، وجعل قلبك عامرًا بالإيمان، ونفسك مطمئنة بذكر الرحمن، ورزقك فيها القرب منه والقبول، وبلّغك ليلة القدر وجعلك من عتقائه من النار، وبعد...

 

فما أجمل أن يحرص العبد على القرب من ربه، ويرغب في تحصيل الخشوع والتأثر بالعبادة، فهذا دليل على حياة قلبه وسعيه إلى ما يُرضي مولاه. ولكن، قد يمر العبد بلحظات فتور أو شعور بجفاف روحي، خاصة في مواسم الطاعة، مما يجعله حزينًا متسائلًا: لماذا لا يتأثر قلبي كما ينبغي؟ وهل هناك حاجز بيني وبين لذة القرب من الله؟

 

أخي الحبيب، لا تيأس، فإن مثل هذه المشاعر دليل على أنك تبحث عن حقيقة الإيمان العميق، وأنك تسعى لأن يكون قلبك حيًّا مفعمًا بالخشوع. وهذا السعي وحده بركة، وهو من رحمة الله بك؛ لأنه يريد أن يقربك إليه أكثر، فأبشر ولا تحزن.

 

أسباب قسوة القلب أو فتوره

 

قبل أن نتحدث عن العلاج، من الجيد أن نفهم بعض الأسباب التي قد تكون وراء هذا الشعور:

 

1- الغفلة وكثرة المشاغل الدنيوية: قد ينشغل القلب بالدنيا، فيضعف استقباله لنور الإيمان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

 

2- الذنوب والمعاصي: القلب الذي تتراكم عليه الذنوب يُصاب بـ«الران»، الذي يغشى القلوب فيحجبها عن الشعور واليقظة، كما قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]. وقال النبي ﷺ: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكتت في قلبه نكتة سوداء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

3- الاعتياد على الطاعة دون تدبر: أحيانًا يعتاد القلب على العبادات فيؤديها كعادة دون استحضار المعاني، وهذا ينزع من العبادة روحها والتأثر بها.

 

كيف ترقق قلبك وتزيد خشوعك؟

 

1- الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله:

 

لا يوجد شيء أقوى في تليين القلب من الدعاء الصادق، ومن أعظم الأدعية: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع» [رواه مسلم].

 

ادع الله أن يمنحك قلبًا خاشعًا: «اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي» [رواه أحمد وصححه الألباني].

 

2- الإكثار من الذكر والاستغفار:

 

الذكر هو حياة القلب، قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. فأكثر من: «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، و«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

 

3- الاستماع إلى القرآن بتدبر:

 

حاول أن تستمع للقرآن من قارئ خاشع، وتأمل الآيات كأنها تخاطبك، قال الله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: 83].

 

4- تأمل في عظمة الله وآياته الكونية:

 

من أسباب رقة القلب التأمل في ملكوت الله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].

 

5- الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ:

 

الصلاة على النبي ﷺ تشرح الصدر وتلين القلب. قال ﷺ: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أكثركم عليَّ صلاة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

6- قيام الليل:

 

قم الليل ولو بركعتين خاشعتين، وابكِ بين يدي الله، فقد قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16].

 

وختامًا أخي الحبيب، لا تجعل شعورك بالفتور سببًا لليأس، بل اجعله دافعًا للمزيد من الإقبال على الله. لا تيأس من رحمة الله، فإن القلوب بين يديه، وهو القائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 186]. أقبل عليه بقلبك، وألحَّ عليه في الدعاء، وستجد النور يشع في روحك، والسكينة تملأ قلبك، والخشوع يفيض على جوارحك.

 

نسأل الله أن يمنَّ عليك بقلب خاشع، ونفس مطمئنة، وعبادة متقبلة، وأن يبلِّغك ليلة القدر وأنت في أحسن حال، اللهم آمين.

الرابط المختصر :