Consultation Image

الإستشارة 10/03/2025

توفي والدي وكان لا يدفع الزكاة طوال حياته، فكيف نقسم تركته، هل نخرج الزكاة من التركة قبل التقسيم، أم نقسم التركة ويتحمل هو مسئولية فعله؟

الإجابة 10/03/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فمن ترك الزكاة التي وجبت عليه، وهو متمكن من إخراجها، حتى مات ولم يوص بإخراجها آثم بإجماع الفقهاء، حيث إن الزكاة عبادة مالية، وركن من أركان الإسلام يجتمع فيها حق الله تعالى وحق العباد وهم الفقراء الذين تضرروا من منعه حقوقهم، وحقوق العبادة مبنية على المشاحاة، ولا تسقط هذه الحقوق بالتقادم، وإنما تسقط بمسامحة أصحابها أو بإعطائهم هذه الحقوق.

 

والمسامحة في الزكاة ليست واردة؛ لأن الفقراء ليسوا معينين، ولا يمكن طلب المسامحة منهم، وبالتالي لا بد من إعطاء الحقوق لأصحابها، ثم طلب المغفرة من الله تعالى.

 

من أجل ذلك ذهب جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وهو مروي عن عطاء، والحسن، والزهري إلى أن من مات وعليه زكاة لم يؤدها فإنها لا تسقط عنه بالموت كسائر حقوق الله تعالى المالية، ومنها الحج والكفارات، ويجب إخراجها من ماله سواء أوصى بها أو لم يوص، وتخرج من كل ماله؛ لأنها دين لله، فتعامل معاملة الدين، ولا تزاحم الوصايا في الثلث؛ لأن الثلث يكون فيما بعد الدين.

 

واستدلوا بأنها حق واجب في المال، فلم تسقط بالموت كدين الآدمي.

 

وقال الشافعية: إذا اجتمع دين الله مع دين الآدمي يقدم دين الله لحديث "دين الله أحق أن يُقضى"، وقيل: يقدم دين الآدمي، وقيل: يستويان.

 

وذهب الأوزاعي والليث إلى أنها تؤخذ من الثلث مقدمة على الوصايا ولا يجاوز بها الثلث، وذهب أبو حنيفة والثوري والنخعي والشعبي إلى أن الزكاة تسقط بالموت، بمعنى أنها لا يجب إخراجها من تركته، فإن كان قد أوصى بها فهي وصية تزاحم سائر الوصايا في الثلث، وإن لم يوص بها سقطت؛ لأنها عبادة من شرطها النية، فسقطت بموت من هي عليه كالصلاة والصوم، فإن أخرجها الورثة فهي صدقة تطوع منهم. وللتفصيل يرجع الموسوعة الفقهية الكويتية 23/ 297.

 

ونحن نرجح رأي الجمهور في أن الزكاة لا تسقط بموت المزكي.

 

والأرجح هو: القول الأول، فإن الزكاة -كما قال ابن قدامة- حق واجب تصح الوصية به، فلم تسقط بالموت كدين الآدمي، ولأنها حق مالي واجب، فلم يسقط بموت من هو عليه كالدين، وتفارق الصوم والصلاة، فإنهما عبادتان بدنيتان، لا تصح الوصية بهما، ولا النيابة فيهما.

 

وقد ورد في الصحيح: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) مع أن الصيام عبادة بدنية شخصية، وجازت فيه النيابة بعد الموت، فضلاً من الله ورحمة، فأولى بذلك الزكاة، وهي حق مالي.

 

فالذي يتأكد لنا أن الزكاة حق أصيل ثابت، لا يسقطه تقادم ولا موت، وأنها تؤخذ من التركة وتُقدَّم على كل حق وكل دين سواها.

 

وقد قرر بيت الزكاة في ندوته السابعة عشرة حول موضوع "زكاة المال الموروث" ما يلي:

 

- إذا توفي مسلم وتبين لورثته أن عليه زكاة مال قد وجبت عليه قبل وفاته لسنة فأكثر لم يخرجها لمستحقيها وجب على ورثته إخراج هذه الزكاة التي وجبت عليه إلى مصارفها الشرعية من تركته ولو استغرقت كل التركة، أوصى بها أو لم يوص.

 

- إذا ضاقت تركة المتوفى عن استيعاب زكاته وديونه الأخرى، سواء كانت من ديون الله تعالى أو ديون العباد غير الموثقة بالرهن قسمت التركة بين هذه الديون بالمحاصة.

 

- إذا توفي مسلم وتعذر على ورثته اقتسام تركته بينهم إثر وفاته لأسباب خارجة عن إرادتهم فلا تلزمهم زكاة حصصهم فيها قبل التمكن من قبضها فإذا تمكنوا من قبضها زكوها عن سنة واحدة.

 

- إذا تمكن الورثة من قبض التركة ولم يقتسموها وأبقوها مشاعة بينهم وكانت شروط الزكاة مستوفاة فيها وجب عليهم زكاتها مهما كان نوعها.

 

- إذا اقتسم الورثة حصصهم في التركة، فإن كان لدى كل منهم أو بعضهم نصاب من جنس الحصة زكوها زكاة المال المستفاد.

 

والله تعالى أعلى وأعلم