الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
32 - رقم الاستشارة : 1214
06/03/2025
ابني يبلغ من العمر ١٦ عامًا، وكان منذ صغره مطيعًا ومتزنًا، لكنه منذ بداية مرحلة المراهقة بدأ يتغير كثيرًا، وازدادت حدته في التعامل معنا. لكنه في رمضان هذا العام تحديدًا، لاحظت عليه شيئًا أقلقني بشدة. أصبح سريع الغضب، يثور لأتفه الأسباب، ويقضي أغلب وقته منعزلًا في غرفته، لا يشاركنا الأحاديث ولا يجلس معنا على مائدة الإفطار إلا قليلًا، وحتى عند السحور يكون مزاجه عكرًا، وكأنه يفعل ذلك على مضض.
عندما أنصحه بالصبر وضبط النفس في الصيام، يرد عليّ بعصبية قائلاً: "أنا صائم لكنني لا أستطيع تحمل الضغط!". أصبحت أشعر وكأن الصيام عبء عليه بدل أن يكون عبادة تطهر النفس وتهذبها! كما أنني أشعر أنه يفتقد روحانية الشهر، فهو بالكاد يصلي، ولا يذهب إلى المسجد كما كان يفعل سابقًا، بل يقضي وقتًا طويلًا على الهاتف أو في النوم.
لقد حاولت الحديث معه بهدوء، لكنه إما يتجاهلني أو يتهمني بأنني لا أفهمه. أشعر بالحيرة، هل هذا طبيعي في مرحلة المراهقة؟ وكيف أساعده على استعادة توازنه النفسي والروحي في رمضان؟
أختي الأم الحائرة..
بداية، أريدك أن تطمئني، فابنك يمر بمرحلة طبيعية جدًّا تُعرف في علم النفس التربوي بمرحلة "التمرد المراهقي" Adolescent Rebellion، وهي جزء من النمو النفسي الذي يمر به الشباب عند الانتقال من الطفولة إلى النضج.
في هذه المرحلة، يكون الدماغ في حالة تطور مستمر، خاصة الفص الجبهي (Prefrontal Cortex) المسؤول عن ضبط الانفعالات واتخاذ القرارات.
لذلك نجد أن المراهقين يميلون إلى الانفعالية وسرعة الغضب، خصوصًا عندما يواجهون ضغطًا مثل الصيام مع تغييرات مزاجية ناتجة عن نقص الجلوكوز في الدم.
لكن المشكلة الحقيقية هنا ليست فقط في الغضب أو العزلة، بل في أن ابنك يبدو وكأنه فقد المعنى الروحي للصيام، وكأن الصيام تحول بالنسبة له إلى مجرد عادة جسدية بلا هدف.
وهنا يأتي دورك كأم في إعادة إحياء هذا المعنى في قلبه، ولكن ليس عبر الأوامر المباشرة أو التوجيه الصارم، بل من خلال القدوة والتواصل العاطفي معه.
ولذلك سوف أوضح لك بعض النقاط التربوية المهمة والتي أجملها كما يأتي:
أولاً: فهم أسباب انفعاله وعزلته
ابنك ربما يعاني من ضغوط نفسية أخرى لا يفصح عنها، سواء من الدراسة، أو الأصدقاء، أو حتى تغيراته الجسدية والنفسية.
حاولي أن تقتربي منه بحوار هادئ في لحظة يكون فيها مستعدًا للكلام، وليس عند اشتعال غضبه. اسأليه عن يومه، عن مشاعره، وليس فقط عن التزامه الديني.
ثانيًا: التوجيه غير المباشر
فبدلاً من إخباره مباشرة بأنه "يجب أن يتحمل" أو "يجب أن يشعر بروحانية رمضان"، يمكن أن تشاركيه قصصًا ملهمة عن الصبر والتحدي، مثل قصة النبي أيوب عليه السلام، أو كيف كان الصحابة يصومون في أصعب الظروف بروح الإيمان واليقين.
ثالثًا: لا بد من تعزيز مفهوم الصيام النفسي قبل الجسدي
فالصيام ليس فقط امتناعًا عن الطعام، بل هو تدريب على الصبر وضبط النفس أو الـ(Self-Regulation)، وهو ما يحتاجه المراهق في هذه المرحلة. ويمكن أن تذكريه بالحديث النبوي: "إذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفثْ، ولا يصخبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتلهُ، فليقلْ: إنِّي صائمٌ." فهذا يرسخ لديه مفهوم أن الصيام ليس مجرد تحمل الجوع، بل هو مدرسة للنفس.
رابعًا: التقليل من العزلة الإلكترونية
الهواتف والألعاب الإلكترونية قد تكون وسيلة للهروب من الواقع؛ لذا حاولي تشجيعه على نشاطات بديلة مثل المشاركة في إعداد الإفطار، الخروج مع العائلة بعد التراويح (رغم أنه أمر ستواجهين معه بعض الصعوبة لإقناعه به)، أو حتى التطوع لمساعدة الفقراء.
خامسًا: كونوا له القدوة قبل العظة
بدلًا من إخباره أن يذهب إلى المسجد، يمكن أن تعرضي عليه أن يرافق والده أو أخاه الأكبر، أو أن تشعريه بأنك تستمتعين بالعبادات أمامه؛ فالمراهق يتأثر بالأفعال أكثر من الكلمات.
سادسًا: من الضروري تذكيره بالقيم من خلال الأدب والحكمة
هناك أبيات شعرية جميلة يمكن أن تؤثر فيه أكثر من أي محاضرة، مثل قول الإمام الشافعي:
صبرًا جميلاً ما أقرب الفرجا ** من راقب الله في الأمور نجا
أو قول المتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ ** فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ
فهذه الأبيات تعزز فيه فكرة أن الصبر والارتقاء بالنفس هو طريق العظماء.
* همسة أخيرة لعزيزتي الأم:
تذكري أن المراهق لا يستجيب للنصح المباشر، لكنه يتأثر بالأجواء الإيجابية من حوله. اجعلي رمضان في بيتكم مليئًا بالروحانية وليس بالضغط، وامنحيه مساحة ليصل إلى إيمانه بطريقة تناسب مرحلته. والأهم، لا تتوقعي تغييره بين ليلة وضحاها، فالنمو النفسي والروحي يحتاج إلى وقت وصبر، تمامًا كالنبات الذي يحتاج إلى رعاية دائمة حتى يثمر.
أسأل الله تعالى أن يهدي ابنك لكل خير ويصلح أحواله ويبارك فيه وأبنائنا جميعًا.