طفلتي فقدت بصرها.. كيف أربيها وأعلمها؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 83
  • رقم الاستشارة : 3237
08/11/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا دكتورة،

أنا أمٌّ مكلومة ومتحيّرة، ما زلت في صدمة لم أفق منها بعد.

طفلتي الصغيرة التي لم تتجاوز عامها الأول، اكتشفنا منذ أيام قليلة أنها كفيفة، وأنها لن ترى الدنيا بعينيها أبدًا.

كأن قلبي انكسر مرتين، مرة حين سمعت التشخيص، ومرة كلما نظرت إلى وجهها البريء وهي تبتسم ولا تدرك الظلمة التي حولها.

أنا لا أملك سوى البكاء والدعاء، ولا أعرف من أين أبدأ أو كيف أتعامل معها.

أخاف أن أكون سببًا في ضعفها أو عجزها النفسي، وأخاف أكثر أن تشعر بالنقص أو تختلف عن غيرها من الأطفال.

كيف أربيها تربية سوية؟

هل ستتعلم كبقية الأطفال؟

كيف أساعدها على الاعتماد على نفسها وهي لا ترى؟

وماذا عن نظرة الناس وتعليقات الأقارب التي تزيد ألمي؟

أنا الآن أعيش دوامة من الحزن والارتباك والخوف من المستقبل، وأحتاج إلى من يرشدني كيف أتعامل مع ابنتي بعلمٍ وحكمةٍ وصبرٍ وإيمان.

الإجابة 08/11/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الصابرة،

 

أشعر بعمق ألمك ووجع قلبك، وأتفهم تمامًا ما تمرين به من اضطراب وجداني، وارتباك نفسي بعد هذا الاكتشاف الذي لم تكوني تتوقعينه.

لكن دعيني أقولها لك بصدقٍ وإيمان:

 

ما تمرين به الآن ليس نهاية الحياة، بل بداية رحلة جديدة فيها قدرٌ عظيم من الرحمة الإلهية والتكليف النبيل.

 

الجانب النفسي التربوي

 

من الطبيعي أن تمرّي بما يُسمَّى في علم النفس بـ Grief Cycle أي "دورة الحزن"، التي تبدأ بالصدمة، ثم الإنكار، فالحزن، ثم الغضب، وبعدها يأتي القبول.

 

وبالتالي فإن مشاعرك حبيبتي كلها مشروعة وليست ضعفًا، ولكن لا تجعليها تُقيّد قدرتك على رعاية ابنتك.

 

كل مرحلة من هذه المشاعر هي خطوة نحو التكيّف النفسي الذي سيساعدك على بناء توازن داخلي واستقرار عاطفي Emotional Stability يمكنك من دعم طفلتك بثقة.

 

الجانب التربوي والنمائي

 

سبحان الله! فالطفلة الكفيفة تمتلك من القدرات الإدراكية والتعويضية ما قد يدهشك؛ فالله سبحانه عادل لا يبتلي بقدرٍ إلا ويمنح معه نعمةً تعوِّض ما فُقد.

 

إنها الآن بحاجة إلى ما يُسمّى في التربية الخاصة بـ Early Intervention التدخل المبكر، وهو برنامج تربوي ونفسي يُعنى بتدريب الحواس الأخرى: السمع، اللمس، والشم، لتصبح أدواتها الرئيسة في فهم العالم من حولها.

 

فاحرصي على أن تتعاملي معها بمرونة، أي تربية إيجابية تُركّز على ما تستطيع فعله لا على ما تعجز عنه.

 

شجّعيها بالكلمة واللمسة، كرّري الأوصاف الصوتية لما حولها، اربطي الكلمات بالأشياء من خلال اللمس، فهكذا تبني ما يُعرف بـ Cognitive Mapping الخريطة المعرفية الداخلية التي ستمكّنها من الإدراك المكاني دون بصر.

 

الجانب الأسري والاجتماعي

 

من المهم جدًّا أن تشعريها بالانتماء، وألّا تتركيها فريسة للشفقة الزائدة أو الحماية المفرطة، فذلك يُضعف استقلالها النفسي.

 

دعيها تشاركك المهام الصغيرة، وتتحرك بحرية آمنة داخل البيت، فهذا يزرع فيها الثقة ويعلّمها الاعتماد على الذات.

 

أما المجتمع من حولك، فتعلمي أن معظم الناس يجهلون كيفية التعامل مع ذوي الإعاقات البصرية، فكوني أنتِ نموذج الوعي، وتحدثي بفخر عن ابنتك، لا بخجلٍ أو حزنٍ. حين يسمع الناس نغمة الرضا في صوتك، سيتعلمون احترامها لا الشفقة عليها.

 

ثم تذكرى أختي الغالية قول الله تعالى: ﴿عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، وكذلك قال عز وجل:﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

 

ورُوي عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه، فإن صبر فله الرضا»، ولقد اختاركِ الله لتكوني أمًّا لطفلةٍ لها مكانة عظيمة عنده، فالصبر على هذا الابتلاء عبادة، ورعايتك لها سبيل إلى الجنة إن احتسبتِ النية.

 

واجعلي يقينك أن ابنتك ليست "ناقصة"، بل كاملة بنورٍ آخر، نورٍ في القلب والبصيرة لا في العينين.

 

توصيات عملية تربوية ونفسية

 

والآن إليك عزيزتي توصيات عملية تربوية ونفسية:

 

1- التدرّب على مهارات التعامل: استشيري مختصًّا في التربية الخاصة ليوجهك إلى الأدوات التعليمية المناسبة.

 

2- التحفيز الإيجابي: امدحي كل محاولة منها للتعلم أو الاستكشاف، فذلك يعزز Intrinsic Motivation  الدافعية الذاتية.

 

3- الاستقلال التدريجي: علّميها الاعتماد على نفسها في اللبس والأكل والحركة داخل المنزل.

 

4- تجنبي الحماية الزائدة: بقلب جريء اسمحي لها بالخطأ والتجربة، فهي مفاتيح التعلم.

 

5- الدعم النفسي للأم: احرصي أنتِ على جلسات إرشاد الوالدين، لتخفيف الضغط النفسي عنك ومساعدتك في التكيف.

 

6- لا بد من إشراك الأب: ليكن دور الأب فعّالًا لا متفرجًا، فوجوده يمنح الطفلة الأمان .

 

همسة أخيرة:

 

حبيبتي الغالية، ابنتك ليست مظلمة، بل هي مشعة من الداخل. وما عجزت العين عن رؤيته، قد تراه الروح ببصيرةٍ أنقى وأعمق. فكوني لها ضوءًا من حنانك، وكوني لنفسك سكنًا من يقينك، وسترين كيف تُزهر الحياة من حولكما رغم العتمة بإذن الله تعالى.

 

 

روابط ذات صلة:

عبدالرحمن.. كفيف مغربي أبصر طريقه بالقرآن ودكتوراه و5 لغات!

فتاة تتحدى العمى والصمم لتصبح أول طبيبة في بريطانيا

طفل مغربي كفيف يفوز بجائزة الإملاء في فرنسا

الرابط المختصر :