Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
  • القسم : قضايا معاصرة
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 268
  • رقم الاستشارة : 2029
25/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الفاضل، حفظكم الله ونفع بكم. أود أن أستفتي فضيلتكم في مسألة باتت منتشرة بين الشباب المهتمين بعالم التقنية، وتتعلق بما يُعرف باسم: "الهاكر الأخلاقي" (Ethical Hacking)، وهو مصطلح يُطلق على من يقوم باختبار اختراق الأنظمة أو المواقع الإلكترونية بهدف كشف الثغرات الأمنية وتحذير أصحابها، وليس بنية التخريب أو السرقة.

وأضرب لفضيلتكم مثالًا: شاب لديه خبرة تقنية، يقوم بمحاولة اختراق موقع مؤسسة إعلامية أو متجر إلكتروني، دون أن يُخبر الإدارة أو يأخذ إذنهم، فقط بهدف تجربة مهاراته، ثم يُرسل لهم تقريرًا يخبرهم فيه بوجود ثغرة، ويقترح عليهم طريقة لإصلاحها. أحيانًا يتلقى الشكر، وأحيانًا يُقابل بالرفض أو يُهدَّد بالملاحقة القانونية.

سؤالي لفضيلتكم: هل هذا النوع من الاختراق جائز شرعًا إذا لم يكن بإذن صاحب الموقع، وكان الهدف فقط تجربة المهارة أو التحذير؟ وإن كان الفعل محرمًا، فهل النية الحسنة (التوعية أو التدريب) تخفف الحكم؟ وهل يُعد هذا من الاعتداء على أموال الناس أو خصوصياتهم؟ وما التوجيه الشرعي للشباب الذين يريدون تعلم أمن المعلومات بشكل نافع ومشروع؟ جزاكم الله خير الجزاء، ونفعنا بعلمكم.

الإجابة 25/05/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فلا يجوز شرعًا اختراق مواقع المؤسسات أو الأشخاص بغير إذنهم مهما كانت النية أو الدوافع من وراء هذا؛ فالنية السليمة لا تكفي، ولا بد من صحة العمل، وسلامة النية، فالعمل الصالح بغير نية صالحة إضاعة للأعمار والأوقات، والنية الصالحة مع العمل الفاسد لا قيمة لها.

 

ويمكن لهؤلاء الشباب استئذان هذه الشركات في تقديم هذه الخدمة لهم بمقابل مادي أو بغير مقابل، كما يمكنهم عمل مواقع تجريبية فيما بينهم ومحاولة اختراقها بعد تأمينهم لها، ويمكنهم بعد مراجعة أهل الذكر في هذا الشأن إلى الوصول إلى طرق مباحة شرعًا، لكن لا يجوز لهم ولا يحل شرعًا الدخول إلى مواقع الأفراد والمؤسسات مهما كان القصد.

 

أما إضفاء صفة الأخلاقية على هذا (الهاكر) فهي من تلبيس إبليس، ولا يجوز ذلك إلا في وقت الحرب، فمع المحاربين يستباح ما لم يكن مباحًا للمسلم أو المعاهد أو المسالم، فلو استطاع هؤلاء الشباب توجيه هذه الطاقات لاقتحام مواقع وأسرار المحاربين الذي استحلوا دماءنا وأعراضنا وأموالنا لكن ذلك في سبيل الله تعالى.

 

فالهاكر الأخلاقي هو شخص يمتلك مهارات الهاكر، ولكن يستخدمها بشكل قانوني وأخلاقي لتعزيز أمن الأنظمة والشبكات وعملهم يعتبر قانونيًّا ويثبتونه بموافقة مالك النظام، مما يجعله مختلفًا عن الهاكر الضار.

 

قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (الملك: 2)، قال: أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا. وقال: والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة.

 

يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (سورة الكهف: 110).

 

وقال ابن كثير في تفسير قول تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه) أي: ثوابه وجزاءه الصالح، (فليعمل عملاً صالحًا) ما كان موافقًا لشرع الله. (ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل. لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله ﷺ. وقد روى ابن أبي حاتم من حديث معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن طاوس قال: قال رجل: يا رسول الله، إني أقف المواقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني. فلم يرد عليه رسول الله ﷺ شيئًا. حتى نزلت هذه الآية: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا).

 

والله تعالى أعلى وأعلم

الرابط المختصر :