التصدق على الفقراء وانتقال الطاقة السلبية إلى الأغنياء!

Consultation Image

الإستشارة 04/12/2025

التحذير من إعطاء الملابس للفقراء خوفًا من انتقال “الطاقة السلبية”.. ما حكمه؟ وهل له أصل في الشرع؟ فضيلة الشيخ حفظه الله… انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع لبعض المدّعين مثل الدكتور طه ناصر وغيرِه ممّن يسمَّون خبراء "طاقة المكان"، يحذّرون الناس من إعطاء الثياب أو المقتنيات الشخصية للفقراء، ويزعمون أن الفقير إن لبس ملابسي فسوف أنتقل أنا إلى حالة الفقر لأنه أخذ “طاقتي”، وأخذتُ أنا “طاقته”، وأن هذا سبب لتدهور الرزق والحظ والصحة.

هذه المقاطع سبّبت خوفًا عند الناس، حتى صار بعضهم يتردد في التصدق بالثياب أو إعارتها أو إعطاءها للمحتاجين.

بحثتُ في السنة النبوية فوجدتُ نصوصًا تخالف هذا الكلام تمامًا، ومنها:

1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين بسط له النبي ﷺ رداءه ليحفظ الوحي، وهو حديث صحيح ثابت، وقد دلّ على جواز بسط الثياب واستعمالها دون أي مفهوم للطاقة المزعومة.

2. ما ورد أن النبي ﷺ بسط رداءه للمرضعة التي أرضعته، وفي بعض الروايات لشيماء بنت الحارث يوم هوازن، ولم يثبت أبدًا أن هذا البسط نقل "طاقة" أو أثرًا مذمومًا.

3. حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ أعطى قميصه لعبد الله بن أبيّ، بل ألبسه إياه وكفّنوه به، ولم يأتِ الشرع بنهي عن إعطاء الثياب أو أخذها، رغم أن ابن أُبيّ كان رأس النفاق. وعليه أسأل فضيلتكم: هل يجوز شرعًا الامتناع عن التصدق بالملابس أو إعارتها خشية انتقال “طاقة الفقر”؟ وهل لهذه النظرية أصل معتبر في الشرع أو في العقل؟ وكيف نوجّه الناس الذين تأثروا بهذه المقاطع المنتشرة؟

جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.

الإجابة 04/12/2025

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنشكر لك أخي الكريم هذا السؤال وهذا الرد عليه، وهو رد واع مثقف لا يمكن خداعه بهذا الهراء الذي ينتشر بين الحين والآخر، ولا نعلم من وراءه وما مصلحته في هذا العبث، وكل استدلالك من السنة صحيح وموفق.

 

الطاقة السلبية من الملابس أكذوبة

 

وما يطلق عليه الطاقة السلبية ينافي الإيمان الصحيح والفهم العميق الدقيق لطبيعة هذا الدين، والذين يطلقون هذه الأكاذيب يضرون المجتمع المسلم في أخلاق وسلوكه، ويطعنونه في عباداته ومعاملته، كما يطعنونه في إيمانه وتوحيده.

 

وكأنهم -بقصد أو بغير قصد- يرددون مقولة أهل الشرك والضلال حيث قالوا، أو قال الله على لسانهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [يس: 47].

 

امضِ –أخي الكريم- على ما أنت عليه من اليقين، وتصدّق بملابسك ومقتنياتك وأنت واثق بربك، مستحضرٌ لوعده بالخلف والبركة. هذا الاعتقاد بانتقال "طاقة الفقر" هو من وساوس الشيطان ليصد الناس عن الخير ويوقعهم في الشح والبخل والشرك.

 

وطاقة الفقر أو الطاقة السلبية التي تنتقل عبر الملابس كلام باطل، وخرافة محدثة، ومن أبواب الشرك الأصغر، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد صاحبه أن لهذه الأشياء تأثيرًا ذاتيًّا من دون الله.

 

طاقة الفقر تصادم أصول الإيمان

 

هذا المعتقد ليس له أصل في ديننا الحنيف، لا في القرآن الكريم ولا في سنة نبينا محمد ﷺ، ولا حتى في أقوال سلفنا الصالح. بل هو من خرافات العصر الحديث التي تستورد من فلسفات وثنية شرقية لا تؤمن بالله الخالق الرازق. إن هذا القول يصادم أصول الإيمان الراسخة، ومنها:

 

* التوحيد: فالله سبحانه وتعالى هو وحده الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي يرفع ويخفض، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع. قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: 26). فكيف يجرؤ مخلوق أن يزعم أن قطعة قماش تنقل الرزق أو الفقر؟! هذا اتهام لله بالعجز، وجعلٌ للمخلوق (الثوب) شريكًا مع الخالق في تدبير الرزق.

 

* الإيمان بالقدر: أرزاق العباد وأقدارهم مكتوبة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا. فهل صدقةٌ أمر الله بها ورغّب فيها رسوله ﷺ تكون سببًا في تغيير قدر الله من الغنى إلى الفقر؟ هذا مستحيل، وهو سوء ظن بالله عظيم.

 

* الصدقة بركة ونماء: ديننا يأمرنا بالصدقة ويعدنا عليها بالزيادة والبركة، لا بالفقر والنقصان يقول الله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 261)، ويقول رسولنا الكريم ﷺ: "ما نقصت صدقة من مال" رواه مسلم.

 

هذه نصوص قطعية واضحة. فمن نصدّق؟ نصدّق الله ورسوله، أم نصدّق الدجالين الذين يزينون للناس الشح والبخل بوساوس شيطانية سمّوها "طاقة"؟ قال تعالى محذرًا من هذا المسلك: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا﴾ (البقرة: 268). وهذا التحذير من "طاقة الفقر" هو عين وعد الشيطان بالفقر ليصد الناس عن الإنفاق.

 

السنة النبوية ترد هذا الباطل

 

واستدلالاتك التي ذكرتها قوية وفي محلها تمامًا، وهي غيض من فيض وقد أعطى النبي ﷺ قميصه لعبد الله بن أُبيّ: وهو رأس المنافقين! هل خشي النبي ﷺ أن تنتقل إليه "طاقة النفاق"؟ حاشاه. بل فعل ذلك تألفًا لقلوب قومه، ورجاء لهدايتهم، وتعليمًا لنا في الرحمة حتى مع الأعداء.

 

ولو صح هذا لبطلت الزكاة والصدقات وكل أعمال البر؛ لأن معظم مصارفها تكون للفقراء والمساكين، الذين أوصانا الله بهم وأوصانا النبي بهم خيرًا.

 

والله تعالى أعلى وأعلم

 

روابط ذات صلة:

الهدية والصدقة .. حصن في الدنيا والآخرة

5 خطوات كفيلة بالقضاء على الفقر

الصدقة.. حقيقتها وثمراتها وآدابها

 

الرابط المختصر :